للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

العِصْمَةِ؛ فقَوِيتُ» ، قال أبو حيَّان: «وأما ما ذكر من أن مقدار الجُرْمِ في تَرْكِ البعْضِ مثلُ الجُرْم في ترك الكلِّ مُحالٌ ممتنعٌ، فلا استحالة فيه؛ لأن الله تعالى أن يرتِّب على الذنْبِ اليسيرِ العقابَ العظيمَ، وبالعكس، ثم مَثَّلَ بالسارقِ الآخِذِ خفيةً يُقْطَعُ ويُرَدُّ ما أخَذَ، وبالغاصبِ يُؤخَذُ منه ما أخذ دونَ قَطْعٍ» .

وقال الواحديُّ: أي: إنْ يَتْرُك إبلاغَ البعْضِ، كان كَمَنْ لَمْ يُبَلِّغْ؛ لأنَّ تَرْكه البعضَ مُحْبِطٌ لإبلاغِ ما بلَّغَ، وجُرْمَهُ في كتمانِ البعضِ كجُرْمِهِ في كتمان الكلِّ؛ في أنه يستحقُّ العقوبة من ربِّهِ، وحاشا لرسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يكتُمَ شيئاً مِمَّا أوْحَى الله تعالى إليه، وقد قالت عائشةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -: «مَنْ زَعَمَ أنَّ رسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَتَمَ شَيْئاً من الوحْي، فقَدْ أعْظَمَ عَلى الله الفِرْيَةَ، والله تعالى يقول: {ياأيها الرسول بَلِّغْ} ، ولو كَتَم رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ شَيْئاً من الوحْيِ، لَكَتَمَ قولَهُ تعالى: {وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ} [الأحزاب: ٣٧] الآية» ، وهذا قَريبٌ من الأجوبة المتقدِّمة؛ ونظيرُ هذه الآيةِ في السؤالِ المتقدِّم الحديثُ الصحيحُ عن عُمر بن الخطَّاب - رضي الله تعالى عنه -: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتَهُ إلى الله ورسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى الله ورسُولِه» فإنَّ نفس الجواب هو نفسُ الشرطِ، وأجابوا عنه بأنه لا بد من تقديرٍ تحْصُلُ به المغايرةُ، فقالوا: «تقدِيرُهُ: فمنْ كانَتْ هجرتُهُ إلى الله ورسُولِهِ نيَّةً وقصْداً فهجرتُه إلى الله ورسُولِهِ حُكْماً وشَرْعاً، ويمكنُ أن يأتِيَ فيه جوابُ الرَّازِيِّ الذي اختاره.

وقرأ نافعٌ وابن عامر وعاصمٌ في رواية أبي بَكْر:» رِسَالَاتِهِ «جَمْعاً، والباقون:» رِسَالَتَهُ «بالتوحيد، ووجهُ الجمْع: أنه عليه السَّلام بُعِثَ بأنْواعٍ شتَّى من الرسالة؛ كأصول التوحيد، والأحكام على اختلاف أنواعها، والإفرادُ واضحٌ؛ لأنَّ اسمَ الجنس المضافَ يَعُمُّ جميعَ ذلك، وقد قال بعض الرسُلِ: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي} [الأعراف: ٦٢] ، وبعضُهم قال: {رِسَالَةَ رَبِّي} [الأعراف: ٧٩] ؛ اعتباراً للمعنيين.

قوله تعالى: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} أي: يَحْفَظُكَ، ويمنعُكَ من النَّاسِ.

» رُوِيَ أنَّه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - نزل تَحْتَ شَجَرَةٍ في بَعْضِ أسْفَارِه وعلق سَيْفَه عليها، فأتَاه أعْرَابِيٌّ - وهو نَائِمٌ -، فأخذ سَيْفَهُ واخْتَرَطَهُ، وقال: يا مُحَمَّدُ من يَمْنَعُك مِنِّي؟ فقال: «اللَّهُ» فرعدت يَدُ الأعْرَابِيِّ، وسقطَ من يده، وضرب برأسه الشَّجَرة حتى انْتَثَر دِمَاغُهُ «، فأنزل اللَّهُ تعالى {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} .

<<  <  ج: ص:  >  >>