يُضْمِرُون خبر الابتداءِ، ويجعلُونَ» مَنْ آمَنَ «خبرَ» إنَّ «، وهذا على العكْسِ من ذلك؛ لأنه جعل» مَنْ آمنَ «خبر الابتداء، وحذفَ خبرَ» إنَّ «، قال شهاب الدين: هو كما قال، وقد نَبَّهْت على ذلك في قَوْلِي أولاً: إنَّ مِنْهُم مَنْ يُقَدِّر الحذف من الأوَّلِ، ومنهم مَنْ يَعْكِسُ.
الوجه السادس: أنَّ» الصَّابِئُونَ «مرفوعٌ بالابتداء، وخبرُه محذوفٌ؛ كمذهب سيبويه والخليلِ، إلا أنه لا يُنْوى بهذا المبتدأ التأخيرُ، فالفرقُ بينه وبين مذهب سيبويه نيةُ التأخيرِ وعدمُها، قال أبو البقاء:» وهو ضعيفٌ أيضاً؛ لما فيه من لزومِ الحذْفِ والفصلِ «، أي: لِما يلزمُ من الجَمْع بين الحذفِ والفَصْلِ، ولا يَعْنِي بذلك؛ أنَّ المكان من مواضع الحذف اللازمِ؛ لأنَّ القرآن يلزمُ أنْ يُتْلَى على ما أُنْزِلَ، وإنْ كان ذلك المكان في غيره يجوزُ فيه الذكرُ والحذفُ.
الوجه السابع: أنَّ» الصَّابِئُونَ «منصوبٌ، وإنما جاء على لغةِ بني الحرثِ وغيرهمُ الذين يَجْعَلون المثنَّى بالألفِ في كل حال؛ نحو:» رأيْتُ الزَّيْدَانِ، ومَرَرْتُ بالزَّيْدَانِ «نقل ذلك مكي بن أبي طالب وأبو البقاء، وكأنَّ شبهةَ هذا القائلِ على ضَعْفِها؛ أنه رأى الألف علامةَ رفعِ المثنَّى، وقد جُعِلَتْ في هذه اللغةِ نائبةً رفعاً ونصباً وجرًّا، وكذا الواو هي علامةُ رفعِ المجموعِ سلامةً، فيبقى في حالةِ النصْب والجرِّ؛ كما بَقِيت الألفُ، وهذا ضعيفٌ، بل فَاسدٌ.
الوجه الثامن: أنَّ علامةَ النصب في» الصَّابِئُونَ «فتحةُ النون، والنونُ حرفُ الإعراب، كهي في» الزَّيْتُونِ «و» عُرْبُونٍ «، قال أبو البقاء:» فإنْ قيلَ: إنما أجاز أبو عليٍّ ذلك مع الياءِ، لا مع الواوِ، قيل: قد أجازه غيرُه، والقياسُ لا يدفعُهُ «، قال شهاب الدين: يشير إلى مسألة، وهو: أن الفارسيَّ أجازَ في بعضِ جموعِ السَّلامة، وهي ما جَرَتْ مجرى المكسَّرِ كَبنينَ وسِنينَ؛ أن يَحُلَّ الإعرابُ نونها؛ بشرطِ أن يكونَ ذلك مع الياءِ خاصَّةً دونَ الواوِ، فيقال:» جاءَ البَنِينُ «؛ قال:[الوافر]