معنى قوله تعالى:{إِنَّ الذين آمَنُواْ} ، أي: باللِّسَان وقوله تعالى: {مَنْ آمَنَ} بالقَلْبِ، وعلى هذا فالمُرَادُ بِهِم: المنافقون، وقيل: إنَّ الذين على حقيقةِ الإيمان {مَنْ آمَنَ بالله} أي: ثبتَ على الإيمان باللَّه واليومِ الآخر وعمل صالحاً فلا خَوْفٌ عليهم ولا هم يَحْزَنُون.
ولهذا التكرير فائدتان:
الأولى: أن المُنَافِقِين كانوا يَزْعُمُون أنَّهُم مُؤمِنُون، فأخْرَجَهُمْ بهذا التكرير عن [وعد] عدمِ الخَوْف، وعدمِ الحزن.
والثاني: أنَّهُ تعالى ذكر لَفْظَ الإيمان، والإيمانُ يدخل تحته أقسامٌ: فأشرفُها: الإيمان باللَّهِ واليوم الآخر، فكرره تنبيهاً على أنَّ هذيْنِ القسمَيْن أشْرَف أقْسَام الإيمان.
وقد تقدَّمَ في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ}[المائدة: ٣٥] كلامٌ يناسب هذا الموضع.
واعلم أنَّه لما بَيَّنَ أن أهل الكِتاب ليسُوا على شَيء ما لم يُؤمِنُوا بيَّن أنَّ هذا الحُكْمَ عامٌّ في الكُلِّ، وأنَّهُ لا يَحْصُلُ لأحدٍ فضيلة إلَاّ إذا آمَنَ باللَّهِ واليَوْمِ الآخَرِ، وعَمِلَ صَالِحاً.
قالت المُعَتزِلَة: إنَّه تعالى شرَطَ عدمَ الخَوْفِ والحُزْن بالإيمان والعَمَلِ الصَّالح، والمشروط بالشَّيء عدم عند عدمِ الشَّرْطِ، فإنْ لم يَأتِ مع الإيمان بالعملِ الصَّالِح، فإنَّه يحصل له الخَوْفُ والحزن، وذلكَ يَمْنَعُ من العَفْوِ عن صاحبِ الكَبيرَة.
والجواب: أنَّ صاحِبَ الكَبيرَةِ لا يقطعُ بأنَّ الله يَعْفُو عنه لا مَحَالَة، فكان الخَوْفُ والحزن حاصِلاً قبل إظهَارِ العَفْو والله أعلم.