واعلم أنَّ حُسْبَانَهُمْ ألَاّ تقع فِتْنَةٌ يحتمل وجهين:
إمَّا أنهم كانوا يَعْتقدُون أنَّ الواجِبَ عليْهِم في كل رَسُول جَاءَ بِشَرْعٍ آخَر؛ أنَّه يجب عَلَيْهِم قَتْلُه وتَكْذِيبُه.
وإمَّا أنهم وإن اعْتَقَدُوا في أنْفُسِهِم كَوْنهم مُخْطِئِين في ذلك التَّكْذِيب والقَتْلِ، إلَاّ أنَّهُم كانوا يَقُولُون:{نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة: ١٨] وكانوا يعتقدون أنَّ نُبُوَّةَ أسْلَافهم وآبَائِهم تَدْفَعُ عَنْهُم العذاب الذي يَسْتَحِقُّونَهُ بِسَببِ ذلِكَ القَتْلِ والتَّكْذِيب.
قوله تعالى:{ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ} أي: فَعَمُوا عن الحقِّ فلم يُبْصِرُوا «وصَمُّوا» بعد مُوسَى {ثُمَّ تَابَ الله عَلَيْهِمْ} ببعْثَ عيسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - وقيل: عَمُوا وَصمُّوا في زَمَان زَكريَّا، ويحيى، وعيسى - عليهم الصلاة والسلام -، ثم تاب اللَّهُ على بعضهم، حيْثُ آمَنَ بعضُهُم به ثمَّ عمُوا وصمُّوا كثيرٌ منهم في زَمَانِ مُحَمَّدٍ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -، بأنْ أنْكَرُوا نُبُوَّتَه ورِسَالَتَهُ، وإنَّما قال «كثيرٌ مِنْهُم» ؛ لأنَّ أكثرَ اليهُود وإنْ أصَرُّوا على الكفر بمُحَمَّدٍ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -، إلَاّ أنَّ جَمْعاً آمَنُوا به كَعَبْدِ اللَّه بن سلام وأصحَابِه.