وقال النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - لأبي بكرٍ:«ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» .
الطريق الثاني: أنَّ المُتَكَلِّمين حكوا عن النَّصَارى أنَّهُمْ يقولون: جَوْهَرٌ واحدٌ: ثلاثةُ أقْسَام: أبٌ، وابْنٌ، ورُوحُ القُدُس، وهذه الثَّلاثَةُ إلهٌ واحِدٌ، كما أنَّ الشَّمْس اسمٌ يتناوَلُ القُرْصَ والشُّعَاع والحَرَارَة، وعنُوا بالأبِ الذَّات، وبالابْنِ الكَلِمَة، وبالرُّوحِ الحَيَاة، وأثْبَتُوا الذَّاتَ والكَلِمَة والحَيَاة.
وقالوا: إنَّ الكَلِمَة التي هي كلامُ اللَّه اخْتلطَتْ بِجِسْمِ عيسَى اخْتِلاطَ الماءِ بالخَمْر، واختلاط الماءِ باللَّبْن.
وزعمُوا أنَّ الأبَ إلهٌ، والابْنَ إله، والرُّوح إلهٌ، والكُلُّ إلهٌ وهذا بَاطِلٌ بيديهَةِ العقْلِ، فإنَّ الإلهَ لا يكونُ إلَاّ واحِداً، والواحِدُ لا يكونُ ثلاثةٌ، وليس في الدُّنْيا مقالةٌ أشَدَّ فَسَاداً، وأظْهَر بُطْلاناً من مقالَةِ النَّصارى - لعنهُمُ اللَّهُ تعالى -.
قوله تعالى:{وَمَا مِنْ إله}«مِنْ» زائدةٌ في المبتدأ؛ لوجود الشرطين، وهما كونُ الكلام غير إيجابٍ، وتنكيرُ ما جرَّتْهُ، و «إلهٌ» بدل من محلِّ «إلهٍ» المجرورِ ب «مِنْ» الاستغراقية؛ لأن محلَّه رفعٌ كما تقدَّم، وما إلهٌ في الوجُودِ إلَاّ إلهٌ مُتَّصِفٌ بالوحْدَانية، قال الزمخشريُّ:«مِنْ» في قوله: «مِنْ إلهٍ» للاستغراقِ، وهي المقدَّرةُ مع «لَا» التي لنفي الجنْسِ في قولك: «لا إلَهَ إلَاّ اللَّهُ» والمعنى: وما مِنْ إلهٍ قَطُّ في الوجُود إلَاّ إلهٌ مُتَّصِفٌ بالوحدانيَّة، وهو الله تعالى «، فقد تحصَّل مِنْ هذا أنَّ» مِنْ إلهٍ «مبتدأ، وخبرُه محذوفٌ، و» إلَاّ إلَهٌ «بدلٌ على المحلِّ، قال مكي:» ويجوزُ في الكلام النصبُ: «إلَاّ إلهاً» على الاستثناء «، قال أبو البقاء:» ولو قُرئَ بالجرِّ بدلاً من لَفْظ «إلهٍ» ، لكان جائزاً في العربيَّة «، قال شهاب الدين: ليس كما قال؛ لأنه يلزمُ زيادةُ» مِنْ «في الواجبِ؛ لأن النفي انتقضَ ب» إلَاّ «، لو قلت:» ما قَامَ إلَاّ مِنْ رَجُلٍ «، لم يَجُزْ فكذا هذا، وإنما يجوزُ ذلك على رأي الكوفيين والأخفش؛ فإنَّ الكوفيين يشترطون تنكيرَ مجرورها فقط، والأخفشُ لا يشترط شيئاً، قال مكي» واختار الكسائيُّ الخفضَ على البدل من لفظ «إلهٍ» ، وهو بعيدٌ؛ لأنَّ «مِنْ» لا تُزَاد في الواجبِ «، قال شهاب الدين: ولو ذهبَ ذاهبٌ