وأمَّا «عَاقَدَتْ» ، فيُحتملُ أن تكون بمعنى [المجرَّد نحو] : «جَاوَزْتُ الشَّيْءَ وَجُزْتُهُ» ، وقال الفارسيُّ:«عَاقَدتُمْ» يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون بمعنى «فَعَلَ» ، كطَارَقْتُ النَّعْلَ، وعَاقَبْتُ اللِّصَّ.
والآخر: أن يُرَادَ به «فاعَلْتُ» التي تقتضي فاعلين؛ كأن المعنى: بما عَاقَدتُّمْ علَيْهِ الأيْمَانَ، عَدَّاه ب «عَلَى» لمَّا كان بمعنى عَاهَدَ، قال:{بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله}[الفتح: ١٠] ؛ نحو:{نَادَيْتُمْ إِلَى الصلاة}[المائدة: ٥٨] ب «إلَى» ، وبابُها أن تقول: نَادَيْتُ زَيْداً؛ نحو:{وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطور}[مريم: ٥٢] لمَّا كانت بمعنى دَعَوْتُ إلى كذا، قال:{مِّمَّن دَعَآ إِلَى الله}[فصلت: ٣٣] ثم اتُّسِعَ فحُذِفَ الجارُّ، ونُقِلَ الفعلُ إلى المفعْول، ثم حُذِفَ من قوله:
{فاصدع
بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: ٩٤] ، قال شهاب الدين: يريد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يبيِّنَ معنى «المُفَاعَلَةِ» ، فأتى بهذه النظائر للتضمين، ولحذفِ العائدِ على التدريج، والمعنى: بِمَا عَاقَدتُّمْ عليه الأيْمَانَ، وعاقَدَتْكُمُ الأيْمَانُ عليه، فنَسَبَ المعاقَدَةَ إلى الأيْمَانِ مجازاً، ولقائل أن يقول: قد لا نَحْتَاجُ إلى عائدٍ حتَّى نحتاجَ إلى هذا التكلُّفِ الكثير، وذلك بأن نجعل «مَا» مصدريةً، والمفعولُ محذوفٌ، تقديرُه: بِمَا عَاقَدتُّمْ غيْرَكُمُ الأيْمَانَ، أيْ: بمُعَاقدتِكُمْ غيرَكُمُ الأيْمَانَ، ونخلُصُ من مجازٍ آخر، وهو نسبةُ المعاقدةِ إلى الأيمان؛ فإنَّ في هذا الوجه نسبة المعاقَدَةِ للغَيْرِ، وهي نسبةٌ حقيقية، وقد نَصَّ على هذا الوجه - جماعةٌ.
قالُوا:«مَا» مَعَ الفِعْلِ بِمَنْزِلةِ المصْدَرِ، ولكِن يُؤاخِذُكُم بِعَقْدِكُمْ، أوْ بِتَعْقِيدِكُمْ، أو بِمُعَاقَدَتِكُم الأيْمَان إذا خنتم، فحذف وقتاً لمؤاخَذَة؛ لأنَّه مَعْلُومٌ، أو يَنْكُثُ ما عَاقَدْتُمْ، فَحَذَفَ المُضَافَ.
وقد تعقَّبَ أبو حيان على أبي عليٍّ كلامَهُ؛ فقال:«قوله: إنَّه مثل» طارَقْتُ النَّعْلَ «و» عَاقَبْتُ اللِّصَّ «، ليس مثله؛ لأنَّك لا تقول: طَرَقْتُ ولا عَقَبْتُ، وتقول: عاقدتُّ