للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الأوَّلُ: أنْ يُقَال: الواجِبُ عليه أن يُدخِلَ واحداً من هذه الثلاثة لا بِعَيْنِهِ، وهذا مُحَالٌ في العُقُولِ؛ لأنَّ الشَيْء الذي يَكُونُ مُعَيَّناً في نَفْسِه يَكُونُ مُمْتَنِع الوُجُودِ لذاتِهِ، وما كان كذلك، فإنَّهُ لا يَرِدُ به التَّكْلِيف.

والثاني: أن يُقَال: الوَاجِبُ عليه واحدٌ مُعَيَّنٌ في نَفْسِهِ وفي عِلْم الله تعالى، إلَاّ أنَّهُ مَجْهُولُ العيْنِ عند الفاعلِ، وذلك أيْضاً مُحَالٌ؛ لأنَّ كون ذلك الشَّيْء واجباً بِعَيْنِه في عِلْم الله تعالى هو أنَّهُ لا يجُوزُ تَرْكُهُ بِحَالٍ، واجْتَمَعتِ الأمَّةُ على أنَّهُ يجُوزُ له تركُهُ بتَقْييدِ الإتْيَان بِغَيْرِه، والجَمْعُ بَيْنَ هذيْنِ القوْلَيْن جمعٌ بين النَّفي والإثْبَات، وهُو مُحَال، وتمامُ هذا البَحثِ مَذْكُورٌ في أصُولِ الفِقْه.

فإنْ قِيلَ: أيُّ فائدةٍ لِتَقْدِيمِ الإطعامِ على العِتْقِ مع أنَّ العتقَ أفْضَلُ؟ فالجوابُ من وُجُوه:

أحدها: أنَّ المقصُودَ مِنْهُ التَّنْبِيه على أنَّ هذه الكَفَّارَة وَجَبَتْ على التَّخْيِير لا عَلَى التَّرْتيب، لأنها لوْ وَجَبَتْ على التَّرْتِيبِ لوجَبَتِ البدَايَةُ بالأغْلَظِ.

وثانيها: قدَّم الإطعام؛ لأنَّه أسْهَلُ، ولكَوْنِ الطَّعامِ أعمّ وُجُوداً، والمقْصُودُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ على أنَّهُ تعالى يُراعِي التَّخْفِيفَ والَّسْهِيلَ في التَّكالِيفِ.

وثالثها: أنَّ الإطعامَ أفْضَلُ؛ لأن الحُرَّ الفَقِيرَ قَدْ لا يَجِدُ طعاماً، ولا يكونُ هُنَاكَ مَنْ يُعْطِيه الطَّعام، فَيقعَ في الضُّرِّ.

وأمَّا العَبدُ فَيَجِبُ على مَولَاهُ إطعامُهُ وكِسْوَتُهُ.

قوله تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} إذا عَجزَ الذي لَزِمَتْهُ كفَّارةُ اليمينِ عَنِ الإطْعَامِ، أو الْكِسْوَةِ، أو تَحْرِيرِ رقبةٍ، يجبُ عليهِ صوْمُ ثلاثةِ أيَّامٍ، والعاجزُ ألا يَفْضُل من مالهِ عن قُوتِهِ، وقُوتِ عيالِهِ وحاجَتِهِ ما يُطْعِمُ، أو يَكْسُو، أو يَعْتِقُ، فإنَّهُ يصومُ ثلاثة أيام، وقال بعضهم: إذا مَلكَ ما يمكنه الإطْعَامُ، وإنْ لم يَفضُل عن كِفَايتِهِ، فليس له صِيَامٌ، وهو قوْلُ الحَسَن، وسعيد بن جُبَيْر.

واختلفُوا في وجوب التَّتَابعُ في هذا الصِّيَام، فذهب جماعةٌ إلى أنَّه لا يجب فيه التَّتَابُعُ، بل إنْ شاء تابع وإن شاء فرَّقَ، والتَّتَابعُ أفْضَلُ، وهُو أحد قولي الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -.

وذهب قوم إلى وُجوبِ التَّتَابع فيه، قِيَاساً على كَفَّارةِ القَتْلِ والظِّهَارِ، وهو قَوْلُ الثَّوْرِي وأبي حنيفةَ - رضي الله تعالى عنهما - وتدلُّ عليه قِرَاءة ابن مَسْعُود - رضي الله تعالى عنه - «فصِيَام ثلاثةِ أيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>