والرجسُ قال الراغب:«هو الشيْءُ القَذِرُ، رجلٌ رِجْسٌ، ورِجَالٌ أرْجَاسٌ» ، ثم قال:«وقيل: رِجْسٌ ورِجْزٌ للصَّوْت الشديد، يقال: بَعِيرٌ رَجَّاسٌ: شديدُ الهدير، وغمامٌ راجِسٌ ورجَّاسٌ: شديدُ الرعْد» ، وقال الزجَّاج: هو اسمٌ لكلِّ ما استُقْذِرَ من عمل قبيحٍ، يقال: رَجِسَ ورَجَسَ بكسر الجيم وفتحها يَرْجُسُ رِجْساً إذا عمل عملاً قبيحاً، وأصله من الرَّجْسِ بفتح الراء، وهو شدة صوت الرعد؛ قال:[الرجز]
٢٠٥١ - وَكُلُّ رَجَّاسٍ يَسُوقُ الرَّجْسَا ... وفرَّق ابن دُرَيْدٍ بين الرِّجْسِ والرِّجْزِ والرِّكْسِ، فجعل الرِّجْسَ: الشرَّ، والرِّجْزَ: العذابَ، والرِّكْسَ: العَذِرةَ والنَّتْنَ، ثم قال:«والرِّجْسُ يقال للاثْنَيْنِ» ، فتحصَّلَ من هذا؛ أنه اسمٌ للشيءِ القَذِرِ المنتنِ، أو أنه في الأصل مصدرٌ.
وقوله تعالى:{مِّنْ عَمَلِ الشيطان} في محلِّ رفعٍ؛ لأنه صفةٌ ل «رِجْس» .
وهذا أيْضاً مُكَمِّلٌ لكونِهِ رجْساً؛ لأنَّ الشَّيطان نَجْسٌ خَبِيثٌ؛ لأنه كَافِرٌ، والكَافِرُ نَجسٌ لقوله تعالى {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ}[التوبة: ٢٨] والخبيث لا يَدْعُو إلَاّ إلى الخَبِيثِ لقوله تعالى: {الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ}[النور: ٢٦] والهاء في «فَاجْتَنِبُوهَ» تعودُ على الرِّجْس، أي: فاجتنبُوا الرِّجْسَ الذي أخْبَرَ به مما تقدَّم من الخَمْر وما بعدها، وقال أبو البقاء:«إنها تعود على الفِعْلِ» ، يعني الذي قدَّره مضافاً إلى الخَمْر وما بعدها، وإلى ذلك نحا الزمخشريُّ أيضاً، قال:«فإنْ قلتَ: إلامَ يَرْجِعُ الضميرُ في قوله: فاجتنبُوهُ؟ قلت: إلى المضافِ المحذوفِ، أو تعاطيهمَا، أو ما أشبه ذلك، ولذلك قال: رِجْسٌ من عَمَلِ الشَّيْطَانِ» ، وقد تقدَّم أن الأحْسَنَ: أن هذه الأشياء جُعِلَتْ نفسَ الرِّجْسِ مبالغةً.
قوله تعالى:«فِي الخَمْرِ» : فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه متعلق ب «يُوقِعَ» ، أي: يُوقعَ بينكم هذين الشيئينِ في الخمر، أي: بسبب شرْبها، و «في» تفيد السسببيةَ؛ كقوله عليه السَّلام:«إنَّ امرأةً دخلتِ النَّارَ في هِرَّةٍ» .
الثاني: أنها متعلِّقة بالبغضاء؛ لأنه مصدر معرف ب «ألْ» .
الثالث: أنه متعلقٌ ب «العداوة» ، وقال أبو البقاء:«ويجوزُ أن تتعلَّق» في «بالعداوة، أو ب» البَغْضَاء «، أي:[أنْ] تَتَعادَوْا وأنْ تَتَبَاغَضُوا بسبَبِ شُرْبِ الخَمْرِ» ؛ وعلى هذا الذي ذكره: تكونُ المسألةُ من باب التنازعِ، وهو الوجهُ الرابع، إلَاّ أنَّ في ذلك