في] طُرُقِ المدينَةِ، مع نَهْيِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - عن التَّخَلِّي في الطريق.
قوله تعالى:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} هذا الاستفهامُ فيه معنى الأمر، أي: انْتَهُوا.
رُوِيَ أنَّه لمَّا نزلَ قوْلُ اللَّهِ تعالى:{لَا تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى}[النساء: ٤٣] قال عُمَر بنُ الخطَّابِ - رضي الله تعالى عنه -: «اللَّهُمَ بيِّن لَنَا في الخَمْرِ بَيَاناً شافياً» فلما نَزَلَتْ هذه الآيَةُ قال عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: «انْتَهَيْنَا يا رَبِّ، انْتَهَيْنَا يَا ربِّ» ويدلُّ على أن المراد منه الأمر أيضاً: عطفُ الأمر الصَّريحِ عليه في قوله «وأطيعُوا» ، كأنه قيل: انتهوا عن شُرْبِ الخَمْرِ، وعن كذا، وأطِيعُوا، فمجيءُ هذه الجملةِ الاستفهاميةِ المصدَّرة باسْم مُخْبَرٍ عنه باسمِ فاعلٍ دالٍّ على ثبوتِ النهي واستقراره - أبلغُ من صريح الأمر.
قال ابنُ الخطيب: وإنما حَسُنَ هذا المجازُ؛ لأنَّ الله تعالى ذمَّ هذه الأفعالَ، وأظْهَرَ قُبْحَهَا للمُخَاطَبِ، فلما استفهم بَعْدَ ذَلِكَ عن تَرْكِهَا، لم يَقْدِر المُخَاطبُ إلَاّ على الإقْرَارِ بالتَّرْكِ، وكأنَّه قِيلَ لَهُ: أتَفْعَلُه وقَدْ ظَهَر من قُبحهِ ما ظَهَر؛ فصار {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} ؛ جَارِياً مُجْرَى تنصِيصِ اللَّهِ تعالى على وُجُوبِ الانْتِهَاءِ، مَقْرُوناً بإقْرَارِ المُكَلَّفِ بوجوبِ الانْتِهَاءِ.
واعلم: أنَّ هذه الآيةُ دالَّةٌ على وُجوبِ تحريم شُرْبِ الخَمْرِ من وُجُوهٍ:
أحدها: تَصْدِيرُ الجُمْلَة ب «إنَّما» وهي لِلْحَصْرِ، فَكَأنَّهُ قال: لا رِجْسَ ولا شَيءَ من أعْمَالِ الشَّيْطَانِ إلَاّ هذِهِ الأربَعَةُ.
وثانيها: أنَّهُ تعالى قَرَنَ الخَمْرَ والميْسِر بِعبَادةِ الأوْثَان، ومنه قولُهُ - عليه الصَّلاة والسَّلام -: «شَارِبُ خَمْرٍ كَعَابدٍ وثَنٍ» .
وثالثها: قال «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون» ، جعلَ الاجْتِنَاب من الفلاحِ، وإذا كان الاجْتِناب فَلَاحاً، كان الارْتِكَابُ خَيْبَةً.
ورابعها: ما تقدَّم من اشْتِمَال الاسْتِفْهَامِ على المَنْفِي.