عَنْه - إنَّما أمرتُكَ أنْ تَحْكُمَ، وما أمَرْتُكَ أن تُزَكِّيني، فقال: أرى فيه جَدْياً جمع الماء والشَّجَر، فقال: افْعَل ما تَرَى.
فصل
لو حكم عَدْلان بِمِثْلٍ، وحكم عدلان آخران بِمِثْلٍ آخر ففيه وجهان:
أحدهما: يَتَخَيَّرُ.
والثاني: يأخُذُ بالأغْلَظِ.
فصل
استدلَّ بهذه الآيَةِ بَعْضُ مُثْبِتِي القِيَاس، قالوا: لأنَّه تعالى فرضَ تَعْيِين المِثْل إلى اجْتِهَاد النَّاسِ وظنهم، وهذا ضَعِيفٌ؛ لأن الشَّارع تَعَبَّدنا بالعملِ بالظَّنِّ في صُورٍ كثيرة: منها الاجْتِهادُ في القِبْلَةِ، والعَمَلُ بِتَقْويمِ المُقَوِّمِين في قِيم المُتْلَفَاتِ، وأرُوشِ الجِنايَاتِ، والعملُ بِحُكْمِ الحَاكِمِين في مِثْلِ جَزَاءِ الصَّيْد، وعَمَلُ القَاضِي بالفَتْوى، والعملُ بِمُقْتَضَى الظَّنِّ في مصالحِ الدُّنْيَا، إلَاّ أنَّا نَقُولُ: إذا دُعِيتُم إلى تَشْبيهِ صورةٍ بصُورةٍ شرعيَّةٍ في الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وهو عينُ هذه المسائِلِ الَّتي عدَدْنَاهَا، فذلك باطلٌ في بَديهَةِ العَقْل، فإذا سَلَّمْتُمُ المُغَايَرة، ولمْ يلزم من كَوْنِ الظَّنِّ حُجَّةً في تلك الصُّوَر؛ كونهُ حُجَّةً في مَسْألةِ القياسِ، إلَاّ إذا قِسْنَا هذه المسألة على تِلْكَ المسائِل، وذلك يقتضي إثْبَات القياس بالقياس، وهو باطلٌ، وأيضاً فالفَرْقُ ظَاهِرٌ بين البَابَيْنِ؛ لأنَّ في جميع الصُّور المَذْكُورة الحُكْمُ إنَّما ثبت في حقِّ شَخْصٍ واحدٍ، في زمان واحدٍ، في واقِعَةٍ واحِدة.
وأمَّا الحُكْمُ الثَّابِتُ بالقياسِ، فإنه شَرْعٌ عامٌّ في جَمِيع المُكَلَّفين، باقٍ على وجْهِ الدَّهْر، والتَّنْصِيصُ على أحْكَامِ الأشخاص الجُزْئيَّةِ مُتَعذرٌ.
أمَّا التَّنْصِيصُ على الأحْكام الكُلِّيَّةِ العامَّةِ، البَاقِيَةِ إلى آخر الدَّهْر غير مُتعذّر، فظهر الفَرْقُ.
قوله:«هَدْياً» فيه ستةُ أوجهٍ:
أظهرُها: أنه حالٌ من الضمير في «به» قال الزجاج: «هو منصوبٌ على الحالِ، المعنى: يحكم به مقدَّراً أن يُهْدَى» يعني أنه حال مقدَّرةٌ، لا مقارنةٌ، وكذا قال الفارسيُّ كقولك:«مَعَهُ صَقْرٌ صَائِداً به غداً» ، أي مُقَدَّراً الصَّيْدَ.
الثاني: أنه حالٌ من «جَزَاء» سواءٌ قُرئَ مرفوعاً أم منصوباً، منوناً أم مضافاً، وقال الزمخشريُّ:«هدْياً» حالٌ من «جزَاء» فيمَنْ وصفه ب «مِثل» ؛ لأنَّ الصفةَ خَصَّصَتْه، فقرُبَ من المعرفة، وكذا خصَّصه أبو حيان، وهذا غير واضحٍ، بل الحاليةُ جائزةٌ مطلقاً؛ كما تقدَّم.