معنى الآية: أنَّه في جَزَاءِ الصَّيْد مُخَيَّرٌ بَيْن أن يَذْبَح المِثْلَ من النَّعَمِ، فيتَصدَّق باللَّحْم على مَساكِينِ الحَرَم، وبيْنَ أنْ يُقَوِّم المِثْلَ بِدَرَاهِم ويَشْتَرِي بالدَّرَاهِم طَعَاماً، فيتصدَّق بالطَّعَام على مساكينِ الحَرَمِ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ من طعام، أو يَصُوم عن كُلِّ مُدٍّ يَوْماً، وله أنْ يَصُومَ حَيْث شَاءَ؛ لأنَّه لا نَفْعَ فيه لِلْمَسَاكِين.
وقال مَالِكٌ: إنْ لم يخْرِجِ المثلَ يُقَوَّمُ الصَّيدُ، ثمَّ تُجْعَلُ القِيمَةُ طَعَاماً، فيتصَدَّقُ به أوْ يَصُوم.
وقال أبُو حَنِيفَةَ: لا يَجِبُ المِثْلُ مِنَ النَّعَم، بل يُقَوَّمُ الصَّيْدُ، فإن شاء صَرَفَ تلك القِيمَةَ إلى شَيء مِنَ النَّعَمِ، وإن شَاءَ إلى الطَّعَام فيتَصَدَّق بِهِ، وإنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كلِّ نِصْفِ صَاعٍ من بُرٍّ أو صَاعٍ من غَيْرِه يَوْماً.
وقال الشَّعْبِي، والنَّخْعِي: جَزَاءُ الصَّيْدِ على التَّرْتِيب، والجُمْهُور على التَّخْيير، وأنَّ قاتلَ الصَّيْدِ مُخَيَّرٌ في تَعْيين أحَدِ هذه الثلاثة، وقال مُحَمَّد بن الحسن: التَّخْيِير إلى الحَكَمَيْن، لقوله تعالى:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً} أي: كَذَا، أوْ كَذَا.
وجوابُه: أن اللَّه أوْجَبَ على قَاتِلِ الصَّيْدِ أحَدَ هذه الثلاثة على التَّخْييرِ، فوجَبَ أنْ يكونَ قَاتِلُ الصَّيْدِ مُخيَّراً بَيْن أيِّها شاء، وأمَّا الذي يَحْكُمُ بِه ذوا العَدْل، فهو تَعْيينُ المِثْلِ الخِلْقَة أو القِيمَة.
قوله:«لِيَذُوقَ» فيه ستةُ أوجهٍ:
أحدها: أنه متعلقٌ ب «جزاء» قاله الزمخشريُّ، وقال أبو حيان: إنما يتأتَّى ذلك حيثُ يضاف إلى «مِثْل» ، أو يُنَوَّن «جَزَاء» ، ويُنْصَبُ «مِثْل» ، وعَلَّلَ ذلك بأنه إذا رَفَعَ مثلاً، كان صفةً للمصْدَرِ، وإذا وُصِفَ المصدرُ، لم يعمل إلا أن يتقدَّم المعمولُ على وصْفِه؛ نحو:«يُعْجِبُنِي الضَّرْبُ زَيْداً الشَّديدُ» ، فيجوز: قال شهاب الدين: وكذا لو جعله بدلاً أيضاً أو خبراً؛ لما تقدَّم من أنه يلزمُ أن يُتْبَعَ الموصولُ أو يُخْبَر عنه قبل تمامِ صلته، وهو ممنوعٌ، وقد أفْهَمَ كلامُ الشيخِ بصريحِهِ؛ أنه على قراءةِ إضافة الجزاءِ إلى «مِثْل» يجوزُ ما قاله الزمخشري، وأنا أقول: لا يجوزُ ذلك أيضاً؛ لأنَّ «لِيَذُوقَ» مِنْ تمامِ صلةِ المصدرِ، وقد عُطِفَ عليه قولُه «أوْ كفَّارَةٌ أو عَدْلٌ» ؛ فليزمُ أنْ يُعْطَفَ على الموصُولِ قبل تمام صلته؛ وذلك لا يجوزُ لو قلْتَ:«جَاءَ الذي ضربَ وعَمرٌو زَيْداً» لم يَجُزْ للفصْلِ بين الصِّلَة - أو أبعاضِهَا - والموصوُلِ بأجنبيٍّ، فتأمَّلْه.
الثاني: أنه متعلِّقٌ بفعلٍ محذوفٍ يَدُلُّ عليه قُوَّةُ الكلامِ؛ كأنه قيل: جُوزيَ بذلِكَ لِيَذُوقَ.