والخامسة: بناءُ الحَجَّاج وهو البِنَاءُ الموجُودُ اليَوْمَ، وهكذا كانَتْ في زمَنِ الرَّسُولِ - عليه السلام - قال المارودي في» الأحْكَام السُّلطَانِيَّة «: كانت الكَعْبَةُ بَعْدَ إبراهيم - عليه السلام - مع» جُرْهُم «والعمَالِقَة إلى أن انْقَرَضُوا، وخلفتهم فيها قريشُ بعد استيلائِهِم على الحَرَمِ لِكَثْرتِهِم بعد القِلَّةِ، وعِزهِم بَعْدَ الذِّلَّةِ، فكان أوَّلُ من جَدَّدَ بِنَاءَ الكَعْبَةِ بعد إبْراهيمَ - عليه السلام - قُصَيّ بن كِلَاب، وسَقَّفَها بخَشَبِ الدومِ وجريد النَّخْل، ثُمَّ بَنَتْهَا قُرَيْشٌ بَعْدَهُ، ورسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ابنُ خمْسٍ وعشرين سَنَةً، وشَهِدَ بِنَاءَهَا، وكان بابُها بالأرْض، فقال أبُو حُذَيْفَة بنُ المُغِيرة: يا قَوْمُ، ارفعُوا باب الكَعْبَةِ حتَّى لا يَدْخُلَ [أحدٌ] إلَاّ بسُلَّمِ، فإنَّه لا يدخلها حينئذٍ الآنَ إلَاّ ما أَرَدْتُمْ، فإن جاء أحَدٌ ممن تَكْرَهُون، رَمَيْتُم به فَسَقَطَ، وصار نكالاً لمن يَرَاهُ، ففعلت قُرَيْشُ ذلك، وكان سببُ بِنَائها أنَّ الكَعْبَة استُهْدِمَتْ وكانَتْ فَوْقَ القَامَةِ، فأرَادُوا تَعْلِيَتَهَا.
قوله: «قِياماً» [قراءة الجمهورُ بألفٍ بعد الياء، وابنُ عامرٍ:«قِيَماً» دون ألف بزنة «عِنَبٍ» ، والقيامُ هنا يحتملُ أن يكون مصدراً ل «قَامَ - يَقُومُ» ، والمعنى: أنَّ اللَّهَ جَعَلَ الكعبةَ سَبَباً لقيام النَّاسِ إليها، أي: لزيارتها والحجِّ إليها، أو لأنَّها يَصْلُح عندها أمرُ دينهِمْ ودُنْيَاهُمْ، فيها يَقُومُونَ، ويجوزُ أنْ يكونَ القيامُ بمعنى القوامِ، فقُلِبَتِ الواوُ ياءً؛ لانكسارِ ما قبلها، كذا قال الواحديُّ، وفيه نظرٌ؛ إذ لا موجبَ لإعلاله؛ إذ هو:«السِّوَاكِ» ، فينبغي أن يقال: إنَّ القيامَ والقوامَ بمعنًى واحدٍ؛ قال:[الرجز]
٢٠٥٤ - قِوَامُ دُنْيَا وقِوَامُ دِينِ ... فأمَّا إذا دخلها تاءُ التأنيث، لَزِمَتِ الياءُ؛ نحو:«القِيَامَة» ، وأمَّا قراءةُ ابن عامر، فاستشكلها بعضُهم بأنه لا يَخْلُو: إمَّا أنْ يكون مصدراً على فعلٍ، وإما أن يكون على