قبلها؟ وكأنَّ هذا القائل إنَّما قدَّرَها متقدِّمةً؛ ليتضحَ أنها صفةٌ لا مستأنفةٌ.
والثاني: أنها لا محلَّ لها؛ لاستئنافها، والضميرُ في «عَنْهَا» على هذا يعودُ على المسألةِ المدُلولِ عليها ب «لا تَسألُوا» ، ويجوزُ أنْ تعودَ على «أشْيَاء» ، وإنْ كان في الوجه الأولِ يتعيَّن هذا؛ لضرورةِ الربطِ بين الصفةِ والموصوف.
فصل في سبب نزول الآية
في سببِ نزولِ الآية: ما روى [قتادة] عن أنسْ: «سألوا رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حتَّى أحفوه بالمسْئَلَةِ، فغضِبَ فصَعَد المِنْبَر، قال:» لا تَسْألُونِي اليَوْمَ عن شَيْءٍ إلَاّ بَيَّنْتُهُ لكم «، فجعلتُ أنظر يميناً وشمالاً، فإذا كلّ رَجُل لاف رأسَهُ في ثوبِه يَبكِي، فإذا [رَجُلٌ] كان [إذا] لاقى الرِّجالَ يُدْعَى لغير أبيه، فقال: يا رسُول اللَّهِ، من أبِي؟ قال:» حُذافَةُ «، ثم أنشأ عُمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - فقال: رضينا باللَّه رَبًّا وبالإسْلام ديناً، وبمُحَمَّدٍ رسُولاً، نعوذُ باللَّه من الفِتَنِ، فقال رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» ما رأيتُ في الخَيْرِ والشَّرِّ كاليَوْمِ قَطّ، إنه صُوِّرتْ لي الجنَّةُ والنَّارُ حتَّى رَأيْتُهُمَا ورَاءَ الحَائِطِ «وكان قتادةُ يَذْكُر عِنْدَ هذا الحديثِ هذه الآية.
وقال يونُسُ عن [ابن] شهابٍ: أخْبَرَنِي عُبَيْد الله بن عبد الله قال: قالتْ أمُّ عبد الله بن حُذافةَ لعبد الله بن حُذافَة: ما سمعت بابْن قَطُّ أعقَّ منك أأمنت أن تكُونَ أمُّكَ قد فارقت بعْضَ ما يُفارق نساء الجاهليَّةِ، فتَفْضَحَهَا على أعْيُنِ النَّاسِ؟ قال عبد الله بن حُذَافة:» واللَّهِ لَوْ ألْحَقَنِي بعبْدٍ أسْوَد [لَلَحِقْتُه]«.
ورُوِيَ أنَّ عُمَر قال: «يا رسُول الله، أنا حَدِيثُ عُهْدٍ [بجاهلية] ، فاعفُ عنَّا يَعْفُ اللَّهُ عَنْكَ، فسكَنَ غَضَبُهُ» .
وروى ابْنُ عبَّاسٍ قال: كان قومٌ يَسْألُون رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ استهْزَاءً، فيقول الرجل مَنْ أبِي؟ ويقولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ أين نَاقَتِي؟ فأنْزَلَ اللَّهُ تعالى هذه الآية.