إذا كان الخَاصُّ مُتَأخِّراً في النُزُولِ، والمائِدَةُ مُتَأخِرَّةٌ، فكان تَقْدِيمُ هذه الآيَةِ الخَاصَّةِ وَاجِبٌ بالاتِّفَاقِ.
وقوله: «تَحْبِسُونَهُمَا» أي: تستوقفونهما مِنْ بعد صلاةِ أهْلِ دينهمَا.
وقال عامَّةُ المُفَسِّرين: من بعدِ صلاة العَصْرِ، قالَهُ الشَّعْبِي، والنَّخْعِي، وسعيدُ بن جُبير، وقَتادَةُ وغَيْرِهم؛ لأنَّ جَمِيعَ أهْلِ الأدْيَان يُعَظِّمُونَ ذلك الوَقْت، ويَجْتَنِبُون فيه الحَلْفَ الكَاذِبَ.
وقال الحَسَنُ: مِنْ بعد صلاة الظُّهْر.
واحتَجَّ الجُمْهُور بما تقدَّم، وبأنَّه رُوِي أنَّهُ لمَّا نَزلَتِ هذه الآيَةِ، صلَّى رسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صلاة العَصْر، ودَعَا ب «عَدِيِّ» و «تَمِيمٍ» فأسْتَحلفَهُمَا عِنْد المِنْبَر.
وقال بعضهم: بَعْدَ أداءِ أيِّ صلاةٍ كانتْ؛ لأنَّ الصَّلاة تَنْهَى عن الفَحْشَاءِ والمُنْكَر.
قال بَعْضُ العلماء: الأيمانُ تُغَلَّظ في الدِّماءِ، والطَّلاقِ، والعِتَاقِ، والمال إذا بلغ مائَتَيْ دِرْهم بالزَّمَانِ والمكَان، فَيُحْلَفُ بعد صلاة العَصْرِ بِمَكَّةَ بين الرُّكْنِ والمقام، وفي المدينَة عند المِنْبَر، وفي بَيْتِ المقْدِسِ عند الصَّخْرَةِ، وفي سَائِر البُلْدَانِ في أشْرَف المَسَاجِد.
وقال أبو حنيفة: لا يَخْتَصُّ الحَلفُ بِزَمَان ولا مكان.
قوله: «فَيُقْسِمَانِ» في هذه الفاء وجهان:
أظهرهما: أنها عاطفةٌ هذه الجملة على جملة قوله: «تَحْبِسُونَهُمَا» ، فتكون في محلِّ رفع، أو لا محلَّ لها حَسْبَمَا تقدَّم من الخلاف.
والثاني: أنها فاءُ الجزاءِ، أي: جوابُ شرطٍ مقدَّرٍ، وقال الفارسيُّ: «وإنْ شئت، لَمْ تَجْعَلِ الفاء؛ لعطف جملة، بل تجعلُه جزاءً؛ كقول ذي الرُّمَّة: [الطويل]
٢٠٦٩ - وإنْسَانُ عَيْنِي يَحْسِرُ المَاءُ تَارَةً ... فَيَبْدُو، وتَارَاتٍ يَجُمُّ فَيَغْرَقُ
تقديرُه عندهم: إذا حَسَرَ بَدَا، وكذا في الآية: إذا حَبَسْتُمُوهُمَا أقْسَمَا» . [وقال