وإن كان ضعيفاً - عن ثابتٍ عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -
«أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عادَ أبا طالبٍ في مرض، فقال: يَا ابْنَ أخِي، ادعُ رَبَّكَ الذي تَعْبُدُهُ فَيُعَافيني، فقال: اللهُمَّ اشْفِ عَمِّي، فقام أبو طالبٍ، كأنما نَشِطَ من عقالٍ، فقال: يا ابْنَ أخِي، إنَّ ربَّكَ الذي تَعْبُدُ ليُطِيعُكَ، قال: وأنْتَ يا عَمَّاه، لو أطَعْتَهُ، أو: لَئِنْ أطَعْتَ اللَّهَ، لَيُطِيعَنَّكَ» ، أي: لَيجيبَنَّكَ إلى مقْصُودك، قال شهاب الدين: والذي حَسَّنَ ذلك المقابلةُ منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ للفْظِ عَمِّهِ، كقوله:{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله}[آل عمران: ٥٤] وقيل: التقدير: هَلْ يُطِيعُ؟ فالسينُ زائدة؛ كقولهم: اسْتَجَابَ وأجَابَ، قال:[الطويل]
وبهذه الأجوبةِ يُستغنى عن قولِ من قال:«إنَّ» يَسْتَطِيع «زائدةٌ» ، والمعنى: هل يُنَزِّلُ رَبُّكَ؛ لأنَّه لا يُزادُ من الأفعال إلَاّ [ «كَانَ» بشرطَيْنِ، وشَذَّ زيادةُ غيرها في مواضعَ عَدَدْتُها في غيرِ هذا الكتاب، على أنَّ الكوفيِّين يُجيزُون زيادةَ بعض الأفعال] مطلقاً، حَكَوْا:«قَعَدَ فلانٌ يَتَهَكَّمُ بِي» ؛ وأنشدوا:[الوافر]
قال ابنُ الخطيبِ: وأمَّا القراءَةُ الثَّانِيَةُ ففيها إشْكَالٌ، وهو أنَّهُ تعالى حَكَى عنهُم أنَّهم قالُوا:«آمنَّا واشهدْ بأنَّا مُسْلمُون» ، وبعد الإيمانِ كَيْفَ يَجُوزُ أن يقال: إنهم بقوا شاكِّين في اقتدار اللَّهِ على ذلك؟ .
والجوابُ عنه من وُجُوهٍ:
الأول: أنَّهُ - تبارك وتعالى - ما وَصَفَهُم بالإيمان والإسلام بل حَكَى عنهم ادِّعَاءَهم لَهُمَا، ثمَّ تَبعَ ذلك بقوله - حِكَايةً عَنْهُم - {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء} ؟ فدلَّ ذلك على أنَّهُم كَانُوا شاكِّين مُتَوقِّفِين، فإنَّ هذا اللَّفْظَ لا يَصْدُر مِمَّنْ كان كَامِلاً في الإيمان.
وقالوا:{وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا}[المائدة: ١١٣] ، وهذا يَدُلُّ على مَرَضٍ في القَلْب، وكذا قَوْلُ عيسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - لهم:{اتقوا الله إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} ، يَدُلُّ على أنَّهُم ما كانوا كامِلِين في الإيمان.