فليست بمائدةٍ، هذا هو المشهور، إلا أن الراغب قال:«والمائدةُ: الطبقُ الذي عليه طعامٌ، ويقال لكلِّ واحدٍ منها مائدةٌ» ، وهو مخالفٌ لما عليه المعظمُ، وهذه المسألة لها نظائرُ في اللغة، لا يقال للخوانِ مائدةٌ إلا وعليه طعامٌ، وإلا فهو خوانٌ، ولا يقال كأسٌ إلا وفيها خَمْرٌ، وإلا فهي قدحٌ، ولا يقال ذنُوبٌ وسَجْلٌ إلا وفيه ماء، وإلا فهو دَلْو، ولا يقال جرابٌ إلا وهو مدبوعٌ وإلا فهو إهابٌ، ولا قَلَمٌ إلَاّ وهو مَبْريٌّ وإلا فهو أنْبُوبٌ، واختلف اللغويون في اشتقاقها، فقال الزجَّاج - رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى -: «هي من مَادَ يَمِيدُ إذا تحرَّك، ومنه قوله:{رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ}[الأنبياء: ٣١] ومنه: مَيْدُ البَحْرِ» ، وهو ما يُصِيبُ راكبَه، فكأنها تميدُ بما عليها من الطعام.
وقال أهلُ الكوفة: لأنها تميدُ بالآكِلِينَ، قال الزجَّاج - رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى -: «وهي فاعِلةٌ على الأصلِ» ، وقال أبو عُبَيْدٍ:«هي فَاعِلَةٌ بمعنى مفعُولَة مشتقَّةٌ من مادهُ بمعنى أعْطَاهُ، وامتادَهُ بمعنى اسْتَعْطَاهُ، فهي بمعنى مَفْعُولَة» ، قال:«كَعِيشَةٍ راضيةٍ» وأصلُها أنها ميدَ بها صاحبُها، أي: أعْطِيَهَا، والعربُ تقول: مَادَنِي فلانٌ يَمِيدُنِي، إذا أدَّى إليَّ وأعْطَانِي «وقال أبو بَكْرِ بنُ الأنباريِّ:» سُمِّيتْ مائدةً؛ لأنها غياثٌ وعطاءٌ، من قول العرب: مَادَ فلانٌ فُلاناً إذا أحْسَنَ إلَيْه «وأنشد: [السريع]
٢٠٨٨ - إلى أميرِ المُؤمِنِينَ المُمْتَادْ ... أي: المُحْسنِ لرعيَّته، وهي فاعلةٌ من المَيْدِ بمعنى مُعْطِيَةٍ، فهو قريبٌ من قولِ أبِي عُبَيْدٍ في الاشتقاقِ، إلا أنَّها عنده بمعنى فاعلةٍ على بابها، وابنُ قتيبة وافق أبا عُبَيْدٍ في كونها بمعنى مَفْعُولَة، قال:» لأنَّها يُمَادُ بها الآكلُونَ أي يُعْطَوْنَهَا «، وقيل: هي من المَيْدِ، وهو الميلُ، وهذا هو معنى قول الزجَّاج. قوله تعالى:» مِنَ السَّماءِ «يجوز أنْ يتعلَّق بالفعلِ قبله، وأنْ يتعلَّق بمحذوف؛ على أنه صفةٌ ل» مَائِدَة «، أي: مائدةً كَائِنَةً من السَّماءِ، أي: نازلةً منها.
قوله تعالى:{اتقوا الله إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} : فلا تَشكُّوا في قُدْرَة الله - تعالى -.
وقيل: اتَّقُوا الله أن تَسْألُوه شَيْئاً لَمْ تسْأله الأمَمُ السَّابِقَة من قَبْلِكُم، فَنَهَاهم عن اقْتِراحِ الآيَات بَعْدَ الإيمان.