معنى الآية الكريمة {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ} أي: بَعْد إنْزَال المَائِدَة، {فإني أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَاّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ العالمين} أي: جنس عذابٍ لا أعَذِّبُهُ أحَداً من العالمين - يعني: على زمانه - فَجَحَد القَوْمُ وكَفَرُوا بعد نُزُولِ المَائِدَة.
قال ابنُ عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: مُسِخُوا خَنَازِير، وقيل: قِرَدَةً، وقيل: جِنْساً من العَذَابِ، لا يُعذَّبُ به غَيْرُهُم.
قال الزَّجَّاج: ويجُوزُ أن يكون ذَلِكَ العذابُ مُعَجَّلاً في الدُّنْيا، ويجُوزُ أن يكُون مُؤخَّراً في الآخِرَةِ.
قال عَبْدُ الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: «أنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ المُنَافِقُونَ، ومن كَفَر مِنْ أصْحَابِ المائدةِ وآلُ فِرْعَوْن» .
واخْتَلَف العُلَماءُ - رضي الله تعالى عنهم - هَلْ نَزَلَتْ أمْ لا؟ .
فقال مُجَاهِد، والحَسَن: لم تَنْزِلْ، فإنَّ الله تعالى لَمَّا أوْعَدَ على كُفْرِهم بَعْد نُزُولِ المائدة خافُوا أن يَكْفُر بَعْضُهُم، فاستعفوا وقالوا: لا نُرِيدُهَا؛ فلم تَنْزِلْ. وقوله:{إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} - يعني: إن سَألْتُم، والصَّحِيحُ الذي عَلَيْه الأكْثَرُون: أنَّها نَزَلَتْ لقوله تعالى: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} ولا خُلْفَ في خبره، ولِتَوَاتُرِ الأخْبَارِ فيه عن رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنَّها نَزَلَت.
وقيل لهم: إنَّها مُقِيمَةٌ لكم ما لم تَخُونُوا وتخبؤوا؛ فما مضَى يومها حتَّى خَانُوا وخَبُّئوا، فَمسخُوا قِرَدَةً وخَنَازير.
قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: إنَّ عيسى - عليه السلام - قال لهم: صُومُوا ثلاثينَ يَوْماً، ثم سَلُوا اللَّه ما شِئْتُم يُعْطِيكُمْ، فَصَامُوا، فلمَّا فَرغُوا قالوا: يا عيسى: إنَّا لو عَمِلْنَا لأحدٍ قَضَيْنَا عَمَلَهُ لأطْعَمَنَا، وسَألُوا اللَّهَ المَائِدَة، فأقْبَلَتِ المَلائِكَةُ - عليهم الصَّلاة والسَّلام - بمائدةٍ يحمِلُونَهَا، عَلَيْهَا سَبْعَةُ أرْغِفَةٍ وسَبْعَة أخْوَان، حتَّى وضعتْهَا بين أيْدِيهِمْ، فأكَلَ مِنْهَا آخِرُ النَّاسِ كما أكَلَ أوَّلُهُم.
قال كَعْبُ الأحْبار: نزلت مَنْكُوسَةً تطيرُ بها المَلائِكَةُ بين السماء والأرض، عليها كُلُّ الطَّعَامِ إلَاّ اللَّحْم.