فقال الحَوَارِيُّون: يا رُوحَ الله كُنْ أوَّل من يَأكُلُ منها، فقال: مَعَاذ الله أنْ آكُلَ منها، ولكن يأكُلُ منها من سَألَهَا، فَخَافُوا أن يَأكُلُوا منها، فدَعَا أهْلَ الفَاقَةِ والمَرَضِ وأهْلَ البَرَصِ والجُذَامِ والمُقْعَدِين وقال: كُلُوا من رِزْقِ الله - عزَّ وجلَّ - لكم الهنَاءُ، ولِغَيْرِكُم البَلَاءُ، فأكَلُوا، وصدر عنها ألْفٌ وثلثمائة رَجُلٍ وامْرأةٌ من فَقِيرٍ، وزمن ومريضٍ، ومُبْتَلى كُل مِنْهُم شَبْعَان، وإذا السَّمَكَةُ كَهَيْئَتِهَا حين نزلت، ثُمَّ طارتِ المائدةُ صعداً وهم يَنْظُرُون إلَيْهَا حتَّى تَوَارَتْ، فلم يَأكُلْ منها زمنٌ ولا مَرِيضٌ ولا مُبْتَلى إلَاّ عُوفِي، ولا فَقِير إلَاّ اسْتَغْنَى، ونَدِمَ من لم يأكُلْ فلَبِثَتْ أرْبَعِين صَبَاحاً تَنْزِلُ ضُحًى، فإذا نَزَلَت اجْتَمَع الأغْنِيَاء والفُقَرَاء والصِّغَارُ والكبارُ والرِّجَال والنِّساءُ، ولا تزالُ منْصُوبةً يُؤكَلُ منها حتَّى إذا فاء الفيءُ طارت، وهم يَنْظُرُون في ظِلِّها حتى تَوَارَتْ عَنْهُم، فكانت تَنْزِلُ غِبّاً تَنْزِلُ يوماً ولا تَنْزِلُ يَوْماً كَنَاقَةِ ثَمُود، فأوْحى اللَّهُ - تبارك وتعالى - إلى عيسى - عليه الصَّلاة والسَّلام -: اجعل مَائِدَتِي ورِزْقِي للفُقَرَاءِ دُون الأغْنِيَاء، فعظم ذلِكَ الأغْنِيَاء حتى شَكُّوا وشَككُوا النَّاسَ فيها، وقالُوا: تَرَوْن المائدةَ حقاً تَنْزِلُ من السَّمَاء؟ فأوْحَى الله - تبارك وتعالى - إلى عيسى: إنِّي شَرَطْتُ أنَّ من كَفَرَ بَعْد نُزُولِها، عَذَّبْتُهُ عَذَاباً لا أعَذِّبُهُ أحَداً من العالمِين، فقال - عليه السلام -: «إنْ تُعَذِّبْهُمْ فإنَّهُمْ عِبَادُكَ، وإن تَغْفِرْ لَهُم فإنَّك أنْتَ العَزيز الحَكِيمُ» فَمَسَخ اللَّهُ منهم ثلاثمائة وثلاثِين رجُلاً من لَيْلَتِهِمْ على فُرُشِهِم مع نِسَائِهِم، فأصْبَحُوا خَنَازِير يَسْعَون في الطُّرُقَات والكنَّاسَات، ويأكُلُون العُذْرَة في الحشُوشِ، وعاشُوا ثلاثة أيَّامٍ ثُمَّ هلكوا والعياذ باللَّه.