خلق] من طِين، وهو أبو البَشَرِ، ويُحتملُ أنَّ [يكون] المراد كَوْنَ الإنسان مَخْلُوقاً من المَنيَّ، ومن دَمِ الطَّمْثِ، وهما يَتَولدَان من الدَّم، والدَّمُ وإنَّما يَتَولَّدث من الأغْذِية [والأغذية] إمَّا حيوانية أو نَبَاتيَّة، فإن كانت حَيوانِيَّةَ كان الحالُ في [كيفية] تولُّد ذلك [الحيوان كالحال في كيفية تَوَلُّدِ الإنسان مخلوفاً من الأغدية النباتية، ولا شك أنها متولدة من الطين، فثبت أن كل إنسان متولد من الطين.
إذا عرفت هذا فتقول: هذا الطِّينُ قد تَوَلدُّت النُّطفة منه بهذا الطريق المذكور.
ثم تولّد من النُّطفَة أنواع الأعضاء المختلفة في الصِّفة، والصورة، واللون، والشكل] مثل القلب والدِّماغ والكبد، وأنواع الأعضاء البسيطةِ كالعظام والغَضاريفِ والرِّبَاطَاتِ والأوتار تولد الصفات المختلفة في المادة المُتَشَابِهَةِ، وذلك لا يمكنُ إلَاّ بتقْدير مُقدِّرِ حكيم.
وإن قلنا: المقصود من هذا الكلام تقرير أمر المعاد، فلأن خَلْقَ بَدَنِ الإنسان وترتيبه على هذه الصفات المختلفة إنَّما حَصَل بقُدْرَةِ فاعل حكيم، وتلك الحكمة والقدرة باقيةٌ بعد موت الحَيَوانِ، فيكون قادراً على إعَادتِهَاّ وإعَادَةِ الحياة فيها؛ لأنَّ القادِرَ على إيجادها من العَدَم قادرٌ على إعَادَتِهَا بطريق الأوْلَى.
قوله:«مِنْ طينٍ» فيه وَجْهَان:
أظهرهما: أنه متعلّق ب «خَلَقَكُمْ» ، و «مِنْ» لابتداء الغَايَةِ.
أظهرهما: أنه متعلّقٌ بمحذوف على أنه حَالٌ، وهل يحتَاج في هذا الكلام إلى حذف مضاف أم لا؟ فيه خلاف.
ذهب [جماعة] كالمهدويِّ ومكي، إلى أنه لا حَدْفَ، وأنَّ الإنسان مَخْلُوقٌ من الطين.
وروي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«مَا مِنْ مَولُودٍ يُولَدٌ إلَاّ ويُذّرُّ على النُّطْفَةِ مِنْ تُرَابِ حٌفْرَتِهِ» .