الخامس: أن تكون نكرةً موصُوفَةً بالجملة المنفيَّة بعدها، والعائد محذوف، أي: شيئاً لم نمكِّنه لكم، ذكرهما أيضاً أبو البقاء قال أبو حيان - رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى - في الأخير:» وهذا أقْرَبُ إلى الصَّوابِ «.
قال شهاب الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى -: ولو قدَّره أبو البقاءِ بخاصِّ لكان أحْسَنَ من تقديرِه بلفظ «شيء» ، فكان يقول: مَكَّنَّاهُمْ تمكيناً لم نمكّنه لكم.
والضمير في «يروا» قيل: عائدٌ على المُسْتَهْزِئين، والخطابُ في «الكم» راجعٌ إليهم أيضاً، فيكون على هذا التِفَاتاً فائدتُهُ التَّعْريض بقلَّةِ تمكُّنِ هؤلاء، ونَقْصِ أحوالهم عن حَالِ أولئك، ومع تمكينهم وكثرتهم فقد حَلَّ بهم الهَلَاكُ، فكيف وأنتم أقَلُّ منهم تمكيناً وعدداً؟ .
وقال ابن عطيَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى -: «والمُخَاطَبَةُ في» الكم «هي للمؤمنين ولجميع المُعَاصرين لهم ولسائِرِ النَّاس كافَّةً، كأنه قيل: لم نُمَكِّن يا أهل هذا العَصْرِ لكم، ويحتمل أن يُقدَّر معنى القول لهؤلاء الكَفَرَةِ، كأنه قال: يا مُحَمَّدُ قُل لهم:» ألَمْ يَرَوا كَمْ أهْلَكْنَا «الآية، فإذا أخبرت أنك قُلْتَ - أو أمَرْتَ أن يُقال - فلك في فَصيح كلام العرب أن تحكي الألْفَاظَ المَقُولَةَ بعينها، فتجيءَ بلفظ المُخَاطبة، ولك أن تجيء بالمعنى في الألفاظ بالغَيْبَةِ دون الخطاب» انتهى.
ومثاله:«قُلْتُ لزيد: ما أكرمك، أو ما أكرمه» .
و «القَرْنُ» يقع على مَعَانٍ كثيرةن فالقرن: الأمَّةُ من النَّاس، سُمُّوا بذلك لاقُتِرَانهِمْ في مُدَّةٍ من الزَّمانِ، ومنه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «خَيِْرُ القُرونِ قَرْنِي»