وذكر الزمخشري فيهما تخريجين ثانيهما لنفسه، فإنه قال بعد أن حَكَى القراءة: وفُسِّر بأنَّ معناه وهو يُطْعِم ولا يِسْتطْعمِ.
وحكى الأزهري: أطعمت بمعنى اسْتَطْعِمْتُ، ونحوه: أفّدْت، ويجوز أن يكون المعنى: هو يُعطْعِمُ، تارةٌ، ولا يُطْعم أخرى على حسب المَصَالِحِ، كقولك: هو يعطي ويمنع، ويَقْدر ويبسط ويغني ويُفْقر.
قال شهابُ الدين: هكذا ذكر أبو حيَّان هذه القراءات.
وقراءةُ الأشهب هي كقراءة ابن أبي عَبْلَةَ والعماني سواء لا تَخَالُفَ بينهما، فكان ينبغي أن يذكر هذه القراءة لهؤلاء كُلِّهم، وإلَاّ يوهم هذا أنهما قِرَاءتانِ مُتغَايرَتَانِ، وليس كذلك.
وقُرئَ شاذّاً:«يَطْعَمُ» يفتح الياء والعين، «ولايُطعم» بضم الياء وكسر العين، أي: وهو يأكل، ولا يطعم غيره، ذكره هذه القراءة أبو البقاء قال:«والضميرُ راجع على الوَليّ الذي غَيْرُ اللِّهِ» .
فهذه ست قراءات، وفي بعضها - وهو تَخَالُفُ الفعلين - من صناعة البَديع تَجنيسُ التشكيل، وهو أن يكون الشَّكْلُ فارقاً بين الكلمتين، وسمَّاهُ أسَامةُ بن منقذ تجنيس التَّحْريفِ، وهو تَسْمِيَةٌ فَظِيعَةٌ، فتسميتهُ بتجنيس التَّشْكيل أوْلَى.
قوله:{قُلْ إني أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} يعني من هذه الأمَّةِ، والإسلامُ بمعنى الاسْتِسْلام لأمرِ اللِّهِ تعالى.
وقيل: أسْلمَ أخْلَصَ، و «مَنْ» يجوز أن تكون نكرة موصوفةً واقعةً موقع اسم جمع أي: أوَّل فريق أسلم، وأن تكون موصولةً أي: أوَّل الفريق الذي أسْلَم، وأفرد الضمير في «أسلم» إمَّا باعتبار «فريق» المُقَدَّر وإمَّا باعتبار لَفْظِ «مَنْ» ، وقد تقدَّم الكلام على «أول» وكيف يُضَاف إلى مفرد بالتأويل المذكور في سورة البقرة.