وقيل: تقديره: سبحان الله من أجل عَلْقَمَة، فظاهر قوله أنه يجوز أن يقال لغير البَارِي على سبيل التهكُّم، وفيه نظر.
و «التقديس» : التَّطهير، ومنه الأرض المقدَّسَة، وبيت المَقْدِس، ورُوح القُدُس؛ وقال الشاعر: [الطويل]
٣٦٦ - فَأَدْرَكْنَهُ يَأْخُذْنَ بِالسَّاقِ وَالنِّسَا ... كَمَا شَبْرَقَ الْوِلْدَانُ ثَوْبَ الْمُقَدِّسِ
أي: المُطَهِّر لهم.
وقال: «الزمخشري» : هو من قدس في الأرض: إذا ذهب فيها وأبعد، فمعناه قريب من معنى «نسبّح» .
ثم اختلفوا على وجوع:
أحدها: نطهرك أي: نَصِفُكَ بما يليق بك من العلو والعزّة.
وثانيها: قول مجاهد: نطهر أفعالنا من ذنوبنا حتى تكون حالصةٌ لك.
ورابعها: نطهر قلوبنا عن الالتفات إلى غيرك حتى تصير مستغرقةً في أنوار معرفتك.
قالت المعتزلة: هذه الآية تدلّ على مذهبنا من وجوه:
أحدها: قولهم: «ونَحْنُ نُسَبِّحُ بحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ» أضافوا هذه الأفعال إلى أنفسهم، فلو كانت أفعالاً لله - تعالى - لما حسن التمدُّح بذلك، ولا فضل لذلك على سفك الدماء؛ إذ كل ذلك من فعل الله تعالى.
وثانيها: إذا كان لا فاحشة، ولا ظُلْم، ولا وجود إلاّ بصنعه وخلقه ومشيئته، فكيف يصح التنزيه والتقديس؟
وثالثها: أن قوله: «أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» يدلّ على مذهب العَدْلِ، لأنه لو كان خالقاً للكفر لكان خلقهم لذلك الكفر، فكان ينبغي أن يكون الجواب نعم خلقهم ليفسدوا وليقتلوا، فلما لم يَرْضَ بهذا الجواب سقط هذا المذهب.
ورابعها: لو كان الفساد والقَتْلُ من فعل الله - تعالى - لكان ذلك جارياً مجرى أجسامهم، وألوانهم، وكما لا يصح التعجُّب من هذه الأشياء، فكا من الفساد والقتل. والجواب: المُعَارضة بمسألة الداعي والعلم، والله أعلم.
قوله: " إني أعلم ما لا تعلمون ".