و «أن قالوا» يشبه المضمر، والمضمر أعرف المعارف، وهذه القراءة جُعِلَ الأعرفُ فيها اسْماً ل «كان» وغير الأعرافِ خبرها، ولم يؤنّث الفعل لإسناده إلى مذكر.
قال الواحدي: والاختبارُ قراءة من جعل «أن قالواط الاسم ذوي الخبر؛ لأنه إذا وصلت بالفعل لم تُوصَفْ، فأشبهت بامتناع وَصْفِهَا المُضْمَرِ، فكما أنَّ المُضْمَرَ، والمظهر إذا اجتمعا كان جَعْلُ المضمر اسماً أوْلَى من جعله خبراً، تقول: كنت القائم.
وأما قراءة ابن كثير ومن معه ف» فتنتهم «اسْمُهَا، ولذلك أنِّثَ الفِعلُ لإسناده إلى مؤنُّ، و» إلَاّ أنْ قالوا «خَبَرُهَا، وفيه أنك جعلت غير الأعرف اسماًن والأعرف خبراً، فليست في قُوَّةِ الأولَى.
وأمَّا قراءةُ الباقين ف» فتنتهم «خبر مقدمٌن و» إلَاّ أن قالوا «اسم مؤخَّرٌ، وهذه القراءةُ وإن كان فيها جَعْلُ الأعْرَفِ اسْماً - كالقراءة الأولى، إلا أنَّ فيها لِحَاقُ علامَةِ تأنيث في الفعل مع تذكير الفاعل، ولكنه بتأويل.
فقيل: لأنه قوله:» إلَاّ أنْ قالوا «في قوة مقالتهم.
وقيل: لأنه هو الفِتْنَةُ في المعنى، وإذا أخبر عن الشَّيءِ بمؤنَّثٍ اكتسب تأنيثاً، فعومل مُعامَلتهُ.
وجعل أبو علي منه {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] لمَّا كانت الأمْثَالُ هي الحَسَنَاتُ في المعنى عُومِلَ مُعَامَلَة المُؤنَّثِ، فسقطت» التاء «من عَدَدِهِ، ومثلُ الآية قوله: [الطويل]
٢١٢٤ - ألَمْ يَكُ غَدْراً مَا فَعَلْتُمْ بسَمْعَلٍ ... وَقَدْ خَابَ مَنْ كَانَتْ سِرِيرتَه الغَدْرُ
ف» كانت «مُسْند إلى» الغَدْرِ «وهو مذكَّر، لكن لما أخبر عنه بمؤنث أنَّث فِعلَه.
ومثله قول لَبيدٍ: [الكامل]
٢١٢٥ - فَمَضَ وَقَدَّمِهَا وَكَانَتْ عَادَةً ... مِنْهُ إذَا هِيَ عَرَّدَتْ إقْدَامُهَا
قال أبو عَلِيّ: فأنَّث الإقدام لما كان كالعادة في المعنى قال: وقد جاء في الكلام:» ما جاءَتْ حَاجَتُكَ «فأنّث ضمير» ما «حيث كانت كالحاجة في المَعْنَى، ولذلك نصب» حاجتك «.
وقال الزمخشري:» وإنما أنَّث « [أن] قالوا» لوُقُوعِ الخبر مؤنّثاً كقولهم: من كانت أمَّك «.