وقرأ طَلحةُ بن مُصَرفٍ بكسرها، والفرق بين «الوَقْر» و «الوِقْر» أنَّ المفتوح هو الثِّقَلُ في الأذُنِ، يُقال منه: وَقَرتْ أذنه يفتح القاف وكسرها، والمُضارع تَقِرُ وتَوْقَر، بحسب الفعلين ك «تعد» و «تَوْجَل» .
وحكى أبو زيد: أذُنٌ مَوْقُورة، وهو جَارٍ على القياس، ويكون فيه دليلٌ على أنَّ «وَقَرَ» الثلاثي يكون متعدياً، وسُمِع «أذنٌ مَوْقُورةٌط والفعل على هذا» أوْقَرْتُ «رباعياً ك» أكرم «.
قال تعالى:{فالحاملات وِقْراً}[الذاريات: ٢] فعلى هذا قراءة الجموهور واضحةٌ، أي: وجعلنا في آذانهم، ثِقَلاً، أي: صَمَاً.
وأمَّا قراءة طَلْحَةَ، فكأنه جعل آذانهم وقَرَتْ من الصمم كما تُوقَرُ الدَّابَّةُ بالحِمْلِ، والحاصلُ أنَّ المادة تَدُلُّ على الثَّقَلِ والرَّرانة، ومنه الوَقَارُ للتُّؤدَةِ، والسَّكينة، وقوله تعالى:{وفي آذَانِهِمْ وَقْراً} فيه الفَصْلُ بين حَرْفِ العَطْفِ وما عطفه بالجار مع كون العاطف [على حرف واحد] وهي مسألة خلاف تقدَّم تَحْقِيقُهَا في قوله: {أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا}[النساء: ٥٨] .
والظاهِرُ: أن هذه الآية ونظرئرها مثل قوله تعالى: {رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً}[البقرة: ٢٠١] ليس مما فُصِلَ فيه بين العاطف ومعطوفه كما تقدَّم.
فصل في بيان سبب نزول الآية
قال الكَلْبِيُّ عن ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: اجتمع أبو سفيان بن حَرْبٍ، وأبو جهل بن هِشَام، والوليدُ بن المُغيرَةِ، والنضر بن الحارث، وعُتْبَةُ وشَيْبةَ ابنا رَبِيعة، وأميَّة وأبَىُّ ابنا خلفّ والحرث بن عامرٍ يستمعون القرآن العظيم، فقالوا للنضر: يا أبا قتيلة: ما يقول محمد؟ قال ما أدري ما يقول إلَاّ أنه يُحَرِّكُ لِسَانُه وشَفَتَيْهِ وَيَتَكَلَّمُ بأسَاطِير الأوَّلين مثل ما كنت أحَدِّيَكُم عن القرون الماضية، وكان النَّضر كَثِرَ الحديث عن القُرونِ وأخبارها، فقال أبو سفيان: أبي لأرى بَعْضَ ما يقول حقاً.
فقال أبو جَهْلِ: كَلاّ، لا تقرّ من هذا، وفي رواية: للموتُ أهونُ علينا من هذا، فأنزل الله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} أي: إلى كلامك، «وجَعَلْنَا علَى قُلُوبِهِمْ