وقال ابن بَحْرِ: وهو السَّبْقُ ومنه الفارط، أي: السَّبق للقوم، فمعنى فَرَّط بالتشديد خَلَّى السَّبْقَ لغيره، فالتضعيف فيه للسَّلْبِ، ك «جلَّدت البعير» ومنه {فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ}[الإسراء: ٧٩] .
فصل في تحرير معنى الخسران
اعلم أن [كلمة «حتى» ] غاية [لقوله: «كذبوا» ] لا لقوله: «قد خَسِرَ» ، لأن خسرانهم لا غَايَةَ له، ومعنى «حتى» ها هنا أنَّ مُنْتَهَى تكذيبهم الحَسْرةُ يوم القيامة والمعنى: أنهم كذبوا بالبَعْثِ إلى أن ظهرت السَّاعةُ بَغْيَةً، فإن قيل: إنما يَتَحَسَّرُونَ عن موتهم.
فالجواب: بما كان المَوْتُ وُقُوعاً في [أحوال الآخرة] ومقدماتها جُعِلَ من جنس السَّاعة، وسُمِّيَ باسمها، فلذلك قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ:«مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ» والمراد بالساعة: القيامة.
قوله:«وَهُمْ يَحْمِلُونَ»«الواو» للحال، وصَاحِبُ الحال «الواو» في «قالوا» أي: قالوا: يا حَسْرَتَنَا في حالةِ حَمْلِهِمْ أوْزَارَهُمْ.
وصُدِّرت هذه الجملة بصمير مبتدأ؛ ليكون ذِكْرُهُ مَرَّتين فهو أبْلَغُ.
والحَمْلُ هنا قيل: مجازٌ عن مُقََاساتِهِمُ العذابَ الذي سَبَبُهُ الأوْزَارُ.
وقيل: هو حقيقة وفي الحديث: «إنَّهُ يُمَثَّلُ لَهُ عَمَلُهُ بِصُورَةٍ قَبِيْحَةٍ مُنْتِنَةِ الرِّيح فَيَحمِلُها» وهو قول قتادَةَ، والسُّدي، وخُصَّ الظَّهْرُ، لأنه يُطيق [من الحَمْل] ما لا يُطِيقُهُ غيره من الأعْضَاءِ كالرأس والكَاهِل، وهذا كما تقدم في قوله:{فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ}[الأنعام: ٧] ، {فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ}[آل عمران: ١٨٧] لأن اليد أقوى في الإدراك اللَّمْسِيِّ من غيرها.
والأوزَارُ: جمع «وِزْر» ك «حِمْل» وعِدْل وأعْدَال.
والوِزْر في الأصل الثقل، ومنه،: وَزَرْتُهُ، أي: حَمَّلته شَيْئاً قليلاًن ووزير الملك من هذا؛ لأنه يَتَحَمَّلُ أعْبَاء ما قَلَّدّهُ المَلِكُ من مئونة رعيَّته وحَشَمَتِه ومنه أوْزَارُ الحرب لسلاحها وآلاتها، قال [القائل في ذلك] : [المتقارب]