ويجوز أن يكون «صمُّ» خبر مبتدأ محذوف، والجملة خَبَرُ الأوَّل، والتقدير: والذين كذَّبوا بعضهم صُمٌّ، وبعضهم بُكْمٌ.
وقال أبو البقاء: «صُمٌّ وبُكْمٌ» الخبر مثل: «حُلْوٌ حَامِضٌ» ، والواو لا تمنع من ذلك «.
وهذا الذي قاله لا يجوز من وجهين:
أحدهما: أن ذلك إنما يكون إذا كان الخبرانِ في معنى خبر واحد، لأنهما في معنى:» مُزّ «، وهو» أعْسَرُ يَسَرٌ «بمعنى» أضْبَط «، وأمَّا هذان الخبرانِ فكل منهما مستقلٌّ بالفائدة.
والثاني: أن» الواو «لا تجوز في مثل هذا غلا عند أبي عَلِيَّ الفارسي وهو وجه ضعيف.
والمراد بالآيات، قيل: جميع الدَّلائل والحججِ.
وقيل: القرآن ومحمد عليه السلام.
قوله:» في الظلمات «فيه أوجهك
أحدهما: أن يكون خبراً ثانياً لقوله:» والذين كَذَّبُوا «ويكون ذلك عبارة عن العَمَى ويصير نظير الآية الأخرى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة: ١٨] فَعَبَّر عن العَمَى بلازمه، والمراد بذلك عَمَى البَصِيَرَةِ.
الثاني: أنه متعلِّق بمحذوف على أنه حالٌ من الضمير المُسْتَكِنّ في الخبر، تقديره: ضالون حَالَ كونهم مُسْتقرِّين في الظلمات.
الثالث: أنه صَفَةٌ ل» بكم «، فيتعلَّق أيضاً بمحذوف، أي: بكم كائنون في الظلمات.
الرابع: أن يكون ظَرْفاً على حقيقته، وهو ظَرْفٌ ل» صم «، أو ل» بكم «.
قال أبو البقاء: أو لما ينوب عنهما من الفَعءلِ، أي: لأن الصفتين في قوة التصريح بالفعل.
فصل في بيان نظم الآية
في وجه النَّظْم قولان:
الأول: أنه - تعالى - لما بيَّن من حال الكُفَّار أنهم بلغوا في الكُفْرِ إلى حيث كانت قلوبهم قد صارت مَيِّتَةً عن قَبُولِ الإمان بقوله:» إنما يَسْتجِيبُ الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله «فذكر هذه الآية تقريراً ذلك المعنى.
الثاني: أنه - تعالى - لمَّا ذكر في قوله: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: ٣٨] في كونها دالَّة على كونها تحت تدبير مُدَبِّرٍ قديمٍن وتحت تقدير مٌقدِّرٍ حكميم، وفي أنّ عناية الله مُحيطة بهمن ورحمته واصِلَةٌ إليهم - قال بعده: والمُكَذِّبُونَ بهذه الدَّلائل