يَتَأثَّرُ من ذلك التخويف، ويقول: رُبَّمَا كان الذي يقوله مُحمَّدٌ حَقَّاً، ولا يجوز حَمْلُهُ على المؤمنين، لأن المؤمنين يَعْلَمُونَ أنهم يُحْشَرُونَ إلى ربهم، والعلم خلاف الخوْفِ والظن.
ولقائل أن يقول: إنه لا يمتنع أن يدخل فيه المؤمنون؛ لأنهم وإن «تيقَّنُوا] الحَشْرَ فلم يَتضيَقَّنُوا العذاب الذي يخاف منه لتجويزهم ألاّ يموت أحدهم على الإيمان، وتجويز ألَاّ يموتوا على هذه الحالةِ، فلهذا السَّبَبِ كانوا خائفين من الحَشْرِ بسبب أنهم كانوا مجوزين لحصول العذاب وخائفين منه.
وقيل: المُرَادُ بهم المُؤمِنُون؛ لأنهم المُقِرُّونَ، بِصِحَّةِ الحشر والنَّشْرِ والقيامة والبعث، فهم الذين يَخَافُونَ من عذاب ذلك اليوم.
وقيل: إنه يَتَنَاوَلُ الكُلَّ؛ لأنه عَاقِلَ إلَاّ وهو يَخَافُ الحَشْرَ، سواء قَطَعَ بحصوله أو شَكَّ فيه، ولأنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كان مَبْعُوثاً إلى الكُلِّ، وإنَّما خَصَّ الذين يخافون الحَشْرَ، لأن انْتِفَاعَهُمْ بذلك الإنْذَارِ أكْمَلُ؛ لأن خوفهم يحملهم على إعْدَادِ الزَّادِ ليوم المَعَادِ.
قوله:{لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيع} العامل فيه» يخافون «وها هُنَا بَحْثٌ، وذلك أنه إذا كان المراد من الذين يَخَافُون أن يحشروا إلى ربهم الكُفَّار، فالكلام ظاهر لأنه ليس بهم عند الله شُفَعَاءُ، وذلك لأن اليهود والنصارى كانوا يقولون:{نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة: ١٨] فكذَّبهم اللَّهُ فيه.
وقال في آية أخرى {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}[غافر: ١٨] ، وقال {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين}[المدثر: ٤٨] .
وإن كان المراد المسلمين، فنقول: قوله: {لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ}[لا] ينافي مذهب أهل السُّنَّةِ في إثبات الشَّفاعَةِ للمؤمنين، فنقول: لأن شفاعة الملاكة والرسل للمؤمنين إنما تكون بإذن الله - تعالى - لقوله:{مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ}[البقرة: ٢٥٥] فلما كانت تلك الشَّفاعةُ بإذن الله كانت في الحقيقة من اللَّهِ.
قوله:{لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .
قال ابنُ عبَّاسٍ: وأنذرهم لكي يَخَافُوا في الدنيا، وينتهوا عن الكفر والمعاصي.
قالت المعتزلة: وهذا يَدُلُّ على أنه - تعالى - أراد من الكُفَّار التَّقْوَى والطاعة، وقد سَبَقَ الكلامُ على مِثْلِ هذا النوع مِرَاراً.