احتجَّ أهْلُ السُّنَّةِ بهذه الآية على مِسْألةٍ خَلْقِ الأفعال من وجهين:
الأول: أن قوله: {فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْض} تصريح بأنَّ إلقاء تلك الفِتْنَةِ نم اللَّهِ تعالى، والمُرَادُ من تلك الفِتْنَةِ ليس إلَاّ اعْتِرَاضُهُمْ على الله في أنْ جعل أولئك الفقراء رُؤسَاء في الدِّين، والاعْتِراضُ على الله كُفْرٌ، وذلك يَدُلُّ على أنَّه - تعالى - هو الخالقُ للكُفْرِ.
والثاني: أنه - تعالى - حكى عنهم أنهم قالوا:«أهؤلاء منَّ اللَّهُ عليهم من بَيْنِنَا» أي: منَّ عليهم بالإيمان باللَّهِ، ومتابعة الرسول، وذلك يدُلُّ على أن هذا المَعْنَى إنما حَصَلَ من الله تعالى؛ لأنه لو كان الموجد للإيمان هو العبد فالله ما مَنَّ عليه بهذا الإيمانِ، بل العَبْدُ هو الذي منَّ على نَفْسِهِ بهذا الإيمان.
أجاب الجبائي عنه بأن الفِتْنَةَ في التَّكْلِيفِ ما توجب التَّشديدَ وإنما فعلنا ذلك ليقولوا: أهؤلاء أي: ليقول بَعْطُهمْ لبَعْضِ اسْتِفْهَاماً لا إنْكَاراً [أهؤلاء] منَّ الله عليهم من بَيْننَا بالإيمان أجاب الكعبي عَنْهُ بأن قال: «وكذلك فَتَنَّا بعضهم ببعض ليصبروا أو ليشكروا، فكان عَاقِبَةُ أمرهم أن قالوا: اهؤلاء مَنَّ اللَّهُ عليهم من بَيْنِنَا» على مثاله قوله تعالى: {فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً}[القصص: ٨] .
والجواب عن الوجهين أنه عُدُولٌ عن الظاهر من غير دليل، والدليل العَقْلِيُّ قائم على صَحَّةِ هذا الظاهر؛ لأنه لمَّا كانت مُشاهَدةُ هذه الأحْوالِ تُوجِبُ الأنَفَةَ، والأنَفَةُ توجبُ العصيان والإصْرارَ على الكُفْرِ، وموجبُ الموجب مُوجبٌ، فكان الإلزامُ وَارِداً، واللَّهُ أعلم.