المُجْمعِ على تحريمها الرِّبَا، ومُهُورُ البغَايَا والسُّحْتُ والرشَا وأخذ الأجْرة على النياحة وأخذ الأجْرَةِ على الغِنَاء وعلى الكَهانَةِ وادِّعَاءِ علم الغيب، وأخبار السماء وعلى الزَّمْر واللَّعب والباطل كله] .
قوله:«لا يَعْلمُهَا إلَاّ هُوَ» في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحال من «مفاتح» والعامل فيها الاسْتِقْرَارُ الذي تَضَمَّنَهُ حرف الجر لوقوعه خبراً.
وقال أبو البقاء: نفس الظَّرْفِ إن رفعت به «مفاتح» ، أي: إن رفعته به فاعلاً، وذلك على رأي الأخْفشِ، وتَضَمُّنُهُ الاسْتِقْرارَ لا بد منه على كل قول، فلا فَرْقَ بين أن يرفع به الفاعل، أو يجعله خبراً.
قوله:«ويَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ والبَحْرِ» قال مجاهد: الب والبحر: القُرَى والأمْصَار لا يحدث فيها شيء إلَاّ يعلمه.
وقيل: هو البر والبحر المعروف.
قالت الحكماء في تفسير هذه الآية: ثبت أن العِلْمَ بالعلَّةِ علة للعلم بلمعلول وأن العِلْمَ بالمعلول لا يكون عِلَّةً للعلم بالعِلَّةِ.
وإذا ثبت هذا فنقول: إن الموجود إما أن يكون واجباً لذاته، أو ممكناً لذاته، والواجب لذاته ليس إلَاّ الله تعالى، وكل ما سواه فهو ممكن لذاته، والممكن لذاته لا يوجد إلا بتأثير الواجب لذاتِهِ، فكلُّ مَا سِوَى الحق سبحانه، فهو موجودٌ بإيجاده وتكوينه.
وإذا ثبت ذلك، فنقول: علمه بِذاتِهِ يوجب علمه بالأثَرِ الصَّادر منه، ثم علمه بذلك الأثرِ الأول يُوجِبُ علهم بالأثر الثاني؛ لأن الأثر عِلَّة قريبة في الأثَرِ الثاني، وقد ذكرنا أن العِلْمَ بالعِلَّةِ يوجب العِلْمَ بالمعلول فبدأ أوَّلاً بعِلْمِ الغيْبِ، وهو علهمه بداتِه المخصوصة، ثم يحصل له من علمه بذاتِهِ علمه بالأثار الصَّادةِ عنه على تَرْتيبهَا المعتبر، ولما كان علمه بذاته لم يحصل إلا لذاتِهِ لا جرمَ صَحَّ أن يقال:«وعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلَاّ هُوَ» ثم إن القَضَايا العَقْلِيَّة المَحْضَةَ يصعب تَحْصِيلُ العلم بها على سبيل التمام والكمال إلَاّ للْعقَلاءِ الكاملينَ الذين ألفوا اسْتِحْضار المَعْقُولاتِ، ومثل هذا الإنسان يكون كالنّادر.
وقوله:{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لَا يَعْلَمُهَآ إِلَاّ هُوَ} قَضِيَّةٌ عَقْليَّةٌ مَحْضَةٌ والإنسان الذي يقوى عقله على الإحاطة بمعنى هذه القضية نَادِرٌ جداً، والقرآن إنما أُنْزِلَ لينتفع به جَمِيعُ