وجعل صاحب «النظم» الكلام تامَّا عند قوله: «وَلَايَابِس» ، ثم اسْتَأنَفَ خبراً آخر بقوله:«إلَاّ في كتابٍ مُبين» بمعنى: وهو في كتاب مُبين أيضاً، قال: لأنك لو جعلت قوله: إلَاّ فِي كتابٍ مُبينٍ «مُتصلاً بالكلام الأوَّلِ لفسد المعنى، وبيان فساده في فَصْلٍ طويل مذكور في سورة» يونس «في قوله: {وَلَا أَصْغَرَ مِن ذلك ولاا أَكْبَرَ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}[يونس: ٦١] .
قال شهابُ الدِّين: إنما كان فاسد المعنى من حيث اعقد أنه اسْتِثْنَاءٌ آخر مستقل، وسيأتي كيف فَسَادُهُ.
أمَّا لو [جعله] اسْتِثْنَاءً مؤكّداً للأول، كما قاله الزمخشري لم يَفْسُدِ المعنى.
وكيف يُتَصَوَّرُ تمام الكلام على قوله تعالى:» ولا يَابِسٍ «ويبتدأ ب» إلَاّ «، وكيف تقع» إلَاّ «هكذا؟
وقد نَحَا أبو البقاء لشيء مما قاله الجُرْجَانِيُّ، فقال:» إلَاّ فِي كتابٍ مبين «أي: إلَاّ هو في كتابٍ مُبين، ولا يجوز أن يكون اسْتِثْنَاء يعمل فيه» يعلمها «؛ لأن المعنى يصير: ومَا تَسْقُطُ لم يكُنْ إلَاّ في كتاب، وجب أن يعلمها في الكتاب، فإذن يكون الاسْتِثْنَاءُ الثاني بدلاً من الأوَّلِ، أي:» وما تَسْقُطُ من ورقةٍ إلَاّ هي في كتاب، وما يعلمها إلَاّ هُوَ «انتهى.
وجَوَوابُهُ ما تقدَّم من جَعْلِ اللاستثناء تأكيداً، وسيأتي تقريه إن شاء الله - تعلى - في سورة «يونس» .
فصل في المراد بالكتاب
في الكتاب المُبينِ قَوْلان:
الأول: هو عِلْمُ الله - تعالى وهو الأصْوَبُ.
وقال الزَّجَّاج: يجوز أن يكون الله - تعالى - أثْبَتَ كَيْفِيَّةَ المعلومات في كتاب من قبل أن يَخْلُقَ الخَلْقِ، كما قال:{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرض وَلَا في أَنفُسِكُمْ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ}[الحديد: ٢٢] . وقائدة هذا الكتاب أمور:
أحدها: أنه - تعالى - إنما كتب هذه الأحْوَالَ في اللَّوْحِ المحفوظ لِتَقفِ الملائِكَةُ على إنْفَاذِ عِلْم اللَّهِ في المعلومات، وأنه لا يغيب عنه مما في السموات والأرض شيء، فيكون في ذلك عِبْرَة تامة كاملة للملائكة الموكَّلين باللَّوحِ المحفوظ؛ لأنهم يقابلون به ما يحدث في هذا العالم فيجدونه مُوَافقاً له.