وبيَّن في هذه الآية أن أولئك المكذَّبين إن ضَمُّوا إلى كُفْرِهِمْ وتكذيبهم الاسْتِهْزَاءَ بالدَّين والطَّعْن في الرسول، فإن يجب الإعراض عنهم، وترك مُجَالَسَتِهِم.
قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} فقيل: الخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد به غيره.
وقيل: الخطاب لغيره، أي: إذا رأيت أيها السَّامِعُ الذين يخوضون في آياتنا.
نقل الواحديُّ أنَّ المشركين كانوا إذا جالَسُوا المؤمنين وَقَعُوا في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والقرآن فَشَتَمُوا واستعهزءوا فأمرهم ألَاّ يقعدوا معهم حتى يَخُوضُوا في حديث غيره.
والخَوْضُ في اللغة عبارة عن المُفاوضةِ على وجه اللَّعبِ والعبثِ.
قال تعالى حكاية عن الكفار: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين} [المدثر: ٤٥] وإذا قال الرجل: تركت القوم يَخُوضُونَ أفاد أنهم شَرَعثوا في كَلِمَاتٍ لا ينبغي ذِكُرُهَا.
قوله: «إذَا» منصوب بجوابها، وهو «فأعْرَضْ» ؛ أي: فأعرض عنهم في هذا الوَقْتِ و «رأيت» هنا تحتمل أن تكون البصريَّة، وهو الظاهر، ولذلك تعدّت لواحد.
قال أبو حيَّان: «ولابُدَّ من تقدير حالٍ مَحْذُوفَةٍ، أي: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا، وهو خائضون فيها، أي: وإذا رأيتهم مُلْتَبِسينَ بالخَوْضِ فيها» . انتهى.
قال شهاب الدِّين: ولا حَاجَةَ إلى ذلك؛ لأن قوله: «يَخُوضُونَ» مُضارع، والراجح حَاليَّتُهُ وأيضاً فإن «الذينَ يَخُوضُونَ» في قُوَّةِ الخائضين، واسم الفاعل حَقيقَةٌ في الحال بلا خلاف، فيحمل هذا على حقيقته، فيُسْتَغْنَى عن حذف هذه الحال التي قدَّرها وهي حال مؤكدة.
ويحتمل أن تكون علمية، وضعَّفَةُ أبو حيان بأنه يَلْزَمُ منه حذف المفعول الثاني، وحذفه إما اقْتَصَارٌ، وإما اختِصَارٌ، فإن كان الأوَّل: فممنوع اتفاقاً وإن كان الثاني: فالصحيح المَنْعُ حتى منع ذلك بعض النحويين.
قوله: «غَيْرِهِ» «الهاء» فيها وجهان:
أحدهما: أنها تعود على الآياتِ، وعاد مفرداً مذكراً؛ لأن الآيات في معنى الحديثِ والقرآن.
وقيل: إنها تعود على الخَوْضِ، أي: المدلول عليه بالفِعْلِ كقوله: [الوافر]
٢١٩٦ - إذَا نُهِيَ السَّفِيهُ جَرَى إلَيْهِ ... وخَالَفَ والسَّفِيهُ إلى خلافِ
أي: جرى إلى السَّفَهِ، دَلَّ عليه الصِّفَةُ كما دَلَّ الفعل على مصدره؛ أي: حتى يخوضوا في حديث غير الخَوْضِ.