قال أكثر المفسرين: أن مَلِكَ ذلك الزَّمانِ رأى رُؤيا وعبرها المعبرون بأنه يُوَلدُ غلام يكون هلاكُ مُلْكِهِ على يَدَيْهِ، فأمر بذح كُلِّ غلام يُولدُ، فحملت أمُّ إبراهيم به، وما أظهرت حَمْلَهَا للناس، فلما جاءها الطَّلْقُ ذَهَبَتْ إلى كَهْفٍ في جَبَلٍ، ووضعت إبراهيم - علي السلام - وسدَّت الباب بِحَجَرٍ فجاء - جبريل - عليه السلام - وكانت الأمُّ تأتيه أحياناً تُرْضِعُهُ، وبقي على هذه الصفة حتى كَبِرَ وعَقِلَ، وعرف أنه له رَبَّا، فسأل أمه فقال لها: مَنْ رَبي؟ قالت: أنا، فقال: ومَنْ رَبُّك؟ قالت: أبوك فقال: ومن رَبُّ أبي؟ فقالت: مَلِكُ البلد.
فعرف إبراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - جَهَالتها بربها، فنظر من باب ذلك الغارِ ليرى شيئاً يَسْتَدِلُّ به لعى وجو
الرَّبِّ - سبحانه وتعالى - فرأى النَّجْمَ الذي كان هو أضْوَءَ نجم في السماء.
فقيل: كان المشتري، وقيل: كان الزهرة، فقال: هذا ربِّي إلى آخر القِصَّةِ.
ثم القائلون بهذا القول اختلفوا، فمنهم من قال: هذا كان بعد البُلُوغِ، ومنهم من قال: كان هذا قَبْلَ البُلُوغِ والتكليف، واتَّقَقَ أكثر المحققين على فَسَادِ هذا القول.
وقالوا: لا يجوز أن يَكُونَ لله رَسُولٌ يأتي عليه وَقْتٌ من الأوْقَاتِ إلا وهو مُوَحِّدٌ به عارف، ومن كُلِّ معبود سواه بَرِيءٌ، وكيف يتوهَّمُ هذا على من عَصَمَهُ الله وطَهَّرَهُ وآتاه رُشدَهُ من قَبْلُ، وأخبر عنه فقال تعالى:{إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الصافات: ٨٤] .
وأراه ملكوت السَّمواتِ والأرض، أفتراه أراه الملكُوتَ ليُوقِنَ؟ فلما أيْقَن رأى كوكباً قال:«هذا ربي» معتقداً فهذا لا يكون أبداً.
واحتجوا بوجوه:
أحدها: أن القول بِرُبُبيَّةِ الجماد كُفْرٌ بالإجماع، والكفر لا يجوز على الأنْبِيَاءِ - عليهم الصلاة والسلام - بالإجماع.
والثاني: أن إبراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كان قد عرف رَبَّهخُ قَبْل هذه الواقعة