فأشار إلى «نعمى» وهي مؤنث إشارة المُذكرِ بوصف الذكورن أو لأن فيها لُغَتَيْنِ: التذكير والتأنيث، وإن كان الأكثر التأنيث، فقد جمع بينهما في الآية الكريمة فانَّث في قوله:«بازغة» ، وذكَّرَ في قوله:«هذا» .
وقال الزمخشري:«جعل المبتدأ مثل الخبر لكونهما عبارةً عن شيء واحد؛ كقولهم: ما جاءت حاجتك، ومن كانت أمك، و {لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَاّ أَن قَالُوا}[الأنعام: ٢٣] وكان اختيار هذه الطريقة واجباً لصيانة الرَّبِّ عن شُبْهَةِ التأنيث، إلا تَرَاهُمْ قالوا في صفة الله: علَاّم، ولم يقولوا: عَلَاّمة، وإن كان أبْلَغَ، احترازاً من علامة التأنيث» .
قلت: وهذا قريبٌ مِمَّا تقدَّم في أن المؤنث إذا أخبر عنه بمذكَّرِ عومل معاملة المُذكَّرِ، نحو:«هند ذاك الإنسان» .
وقيل: لأنها بمعنى: هذا النَّيِّر، أو المرئي.
قال أبو حيَّان:«ويمكن أن يقال: إن أكثر لغة الأعاجم لا يفرقون في الضمائر، ولا في الإشارة بين المُذَكَّرِ والمؤنث سواء، فلذلك اشار إلى المؤنَّثِ عندنا حين حكى كلام إبراهيم بما يشار به إلى المذكر، بل لو كان المؤنث بِفَرْجِ لم يكن له علامة تَدُلُّ عليه في كلامهم، وحين أخبر - تعالى - عنها بقوله:» بَازِغَةً «و» افَلَتْ «أتت على مقتضى العربية، إذ ليس ذلك بحكاية» انتهى.
وهذا إنما يظهر أن لو حكى كلامهم بِعَيْنِهِ في لغتهم، أما شيء يعبر عنه بلغة العرب، ويعطى حكمه في لغة العَجَمِ، فهو مَحَلُّ نَظَرٍ.
فصل في بيان سبب تسمية العبرية والسريانية.
قال الطبري: إن إبراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - إنما نطق بالعبرانية حين عَبَرَ النَّهْرَ فاراً من النَّمْرُودِ حيث قال للذين أرسلهم في طلبه: إذا وجدتم من يتكلم بالسريانية فأتُونِي