أخافُ معبوداتكم في وقتٍ قَطُّ؛ لأنها لا تَقْدِرُ على منفعة ولا مضرَّة، إلَاّ إذا شاء رَبِّي» .
وجعله أبو البقاء حالاً، فقال: تقديره إلَاّ في حال مشيئة ربِّين أيْ: لا أخافها في كُلِّ حالٍ إلَاّ في هذه الحالِ.
وممن ذهب إلى انْقِطَاعِهِ ابن عطية، والحوفي، وأبو الققاء في أحَدِ الوجهين.
فقال الحوفي: تقديره: «ولكنْ مشيئة اللَّهِ أيَّاي بضُرِّ أخاف» .
وقال غيره: معناه: ولكن إن شاء ربِّي شيئاً، أي سواء فيكون ما شاء.
وقال ابن عطية: استثناءً ليس من الأوَّلِ، ولما كانت قوة الكلام أنه لا يخاف ضُرّاً، استثنى مشيئة ربَّه في أن يريده بِضُرٍّ.
قوله: «شيئاً» يجوز فيه وجهان:
أظهرهما: أنه مَنْصُوبٌ على المصدر تقديره: إلَاّ أن يشاء ربي شيئاً من المَشِيئةِ.
والثاني: أنَّهُ مفعول به ل «شيئاً» ، وإنما كان الأوَّلُ أظْهَرَ لوجهين:
أحدهما: أن الكلام المؤكّد أقوى وأثبت في النَّفْس من غير المؤكّد.
والثانهي: أنَّهُ قد تقدَّمَ أن مفعول المشيئة والإرادة لا يذكران إلَاّ إذا كان فيهما غرابة كقوله: [الطويل]
٢٢٢٦ - وَلَوْ شِئْتُ أنْ أبْكِي دَماً لَبَكَيْتُهُ..... ... ... ... ... ... ... ... ...
فصل في بيان معنى الاستثناء
إنما ذكر عليه الصًّلاة والسَّلام هذا الاستثناء؛ لأنه لا يبعد أن يحدث للإنسان في مستقبل عمره شيء من المَكَارِهِ، والحَمْقَى من الناس يحملون ذلك على أنَّهُ إنما حَدَثَ ذلك المكروه بسبب أن طَعَنَ في إليه الأصنام، فذكر إبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام - ذلك حتى إنَّهُ لو حَدَثَ به شيء من المَكَارِهِ لمي يحمل على هذا السبب.
وقوله: «وسِعَ ربِّي كُلَّ شَيءٍ عِلْماً» يعني: أنه عالم الغيوب، فلا يفعل إلَاّ الخير والصلاح والحكمة، فبتقدير أن يحدث من مَكَارِهِ الدنيا شيءٌ، فذلك؛ لأنه - تعالى - عرف وَجْهَ الصَّلاحِ والخير فيه، لا لأجل أنه عقوبة على الطّعن في إلهية الأصْنَام.
قوله: «علماً» فيه وجهان:
أظهرهما: أنه منصوب على التمييز، وهو مُحَوَّلٌ عن الفاعلِ، تقديره: «وسع علم ربّي كُلَّ شيء» كقوله: {واشتعل الرأس شَيْباً} [مريم: ٤] أي: شيب الرأس.