للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وتعالى - إنزال القرآن الباقي على وجه [الدهر] في غبطاله.

والقول الثاني: أن القائل: ما أنزل الله على بشر من شيء من كُفَّار قريش، وفيه سؤال: هو أن كُفَّراَ قريش كانوا ينكرون نُبُوَّةَ جميع الأنبياء عليهم الصَّلاة والسلام، فكيف يمكنم إلزامهم بِنُبُوَّةِ موسى، وأيضاً فما بعد هذه الآية لا يليق بكُفَّار قريش، وإنما يليق باليهود، وهو قلوله: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تعلموا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُم} وهذه الأحوال لا تليق إلا باليهود وهو قَوْلُ من يقول: إن أول الآية خِطَابٌ للكفار، وآخرها خطاب مع اليهود، وهذا فاسد، لأنه يوحب تَفْكِيكَ نَظْمِ الآية، وفساد تركيبها، وذلك لا يليق بكلامنا، فَضْلاً عن كلام ربِّ العالمين، فهذا تقرير الإشكال على هذا القول.

أما السؤال الأول: فيمكن دَفْعُهُ بأن كُفَّار قريش كانوا مُخْتَلطينَ باليهود والنصارى، وكانوا قد سمعوا من الفَريقَيْنِ على سبيل التَّواتُر ظهور المعجزات القاهرة على يَدِ مُوسَى - وغيرها، والكفار كانوا يَطْعُنون في نبوة محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - بِسَببِ أنهم كانوا يَطْلُبُونَ من أمْثالَ هذه المعجزات [وكانوا] يقولون: لو جئتنا بأمثال هذه المُعجزات آمَنَّا بك، فكان مجموع هذه الكلمات جَارِياً مجرى ما يوجب عليهم الاعْتِرَاض، والاعتراف بنبوة موسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، وإذا كان الأمر كذلك [لم يبعد إيراد] نبوة موسى إلزاماً عليهم في قولهم: {مَآ أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} .

وأما الثاني: فجوابه أن كفار قريش، وأهل الكتاب لما اشرتكوا في إنمكار بنوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يَبْعُدْ أن يكون الكلامُ بعضه خِطَاباً مع كفار «مكة» وبقيّته خطاباً مع اليهود والنصارى.

فصل فيا يستفاد من الآية

دَلَّت هذه الآية الكريمة على أحكام:

منها: أن النَّكِرَةَ في موضع النَّفْي تفيد العموم، فإن قوله: {مَآ أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} نَكِرَةٌ في موضع النفي، فلو لم تفد العموم لما كان قوله تبارك وتعالى: {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَآءَ بِهِ موسى} إبْطالاً له وَنَقْضاُ عليه، وكان اسْتِدْلالاً فاسداً.

ومنها: أن النَّقْضَ يقدح في صِحَّةِ الكلام؛ لأنه - تبارك وتعالى - نَقَضَ قولهم: {مَآ أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} بقوله تعالى: {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَآءَ بِهِ موسى} فلو لم يَدُلُّ النَّقْضُ على فساد الكلام لما كانت هذه الحُجَّةُ مُفِيدَةً لهذا المطلوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>