على وعيد من ادَّعَى النبوة والرسالة كذباً وافتراءً.
قال قتادةُ: نزلت هذه الآية في مسيلمة الكذَّاب الحَنَفِيّ صاحب «اليمامة» وفي الأسْودِ العنسي صاحب «صنعاء» كانا يدَّعيانِ الرِّسالة والنبوة من عند الله كذباً وافتراء، وكان مسيلمة يقول لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: محمد رسول قريش، وأنا رسول بني حنيفة.
وقال أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «بَيْنَمَا أنَّا إذْ أوتيتُ خَزَائِنَ الأرْض، فَوُضِعَ في يَدَيَّ سِوارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فكبرا عليَّ وأهمَّانِي، فأوحى اللَّهُ إليَّ أنْ أنفخهما فَذَهَبَا فأوَّلتهما الكذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أنَا بَيْنَهمَا صاحبَ صَنْعاءَ وصاحِبَ يَمامَة» .
قال القاضي: الذي يَفْتَري على الله الكذبَ يدخل فيه من يدَّعي الرسالة كَذِباً ولكن لا يقتصر عليه؛ لأن العِبْرَةَ بعموم اللفظ، لا بخصوص السَّبب.
قال القرطبي: ومن هذا النمط من أعرض عن الفقه والسنن وما كان عليه السلف من السنن فيقول: وقع في خاطري كذا، أو أخبرني قلبي بكذا، فيحكمون بما وقع في قلوبهم ويغلب عليهم من خواطِرِهمْ، وزعمون أن ذلك لِصَفَائِهَا من الأكْدَارِ، وخلوها من الأغيار، فتتجلى لهم العلوم الإلهية، والحقائق الرَّبَّانِيَّة، فيقفون على أسرار الكليات، ويعلمون أحكام الجزئيات فَيْسْتَغُنُونَ بها عن أحكام الشَّرائع، ويقولون: هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأغبياء العامة، وأما الأولياء، وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النُّصوص.
وقوله تعالى:«ومن أظلم» مبتدأ وخبر، وقوله:«كذباً فيه أربعة أوجه:
أحدهما: أنه مفعول» افترى «أي: اختلق كذباً وافتعله.
الثاني: أنه مَصْدرٌ له على المعنى، أي:[افترى] افتراءاً، وفي هذا نظر؛ لأن المعهود في مثل ذلك إنما هو فيما كان المَصْدرُ فيه نَوعاً من الفعل، نحو: قدع القُرْفُصَاءَ أو مُرَادفاً له ك» قعدت جلوساً «أما ما كان المصدر فيه أعم من فعله نحو: افترى كذباً، وتقرفصَ قعوداً، فهذا غير معهود، إذ لا فائدة فيه والكذب أعمُّ من الافتراء، وقد تقدَّم تحقيقه.
الثالث: أنه مفعول من أجلِهِ، أي: افترى لأجل الكذبِ.
الرابع: أنه مصدر واقع موقع الحال، أي: افترى حال كونه كاذباً، وهي حال مؤكدة.
وقوله:» أو قال «عطف على» افترى «في محلِّ رفع لقيامه مقام الفاعل، وجوز أبو البقاء أن يكون القائم مقام الفاعل ضمير المصدر، قال: تقديره:» أوحى إليَّ