ويترتب على ذلك صِنَاعَةٌ إعرابية وذلك أنَّا إذا قُلْنَا بقول غير الفراء كانت الإضافة رَجِعَةٌ في المعنى إلى إضافة شبه الصفة لموصوفها، إذ يصير المعنى على ذلك: فَأخْرَجْنَا به كُلَّ مُنْبَتٍ، فإن النبات بمعنى المُنْبَتِ، وليس مصدراً كهو في {أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض}[نوح: ١٧] وإذا قلنا بقول الفراء: كانت الإضافة إضافة بين مُتباينين؛ إذ يصير المعنى غذاء كل شيء أو رزقه، ولم ينقل أبو حيان عن الفراء غير هذا القول والفرَّاء له في هذه الآية القَولانِ المُتقدَّمان، فإن قال:«رزق كل شيء» قال: وكذا جاء في التفسير، وهو وَجْهُ الكلام، وقد يجوز في العربية أن تضيف النبات إلى كُلّ شيء، وأنت تريد بكُلِّ شيء النَّبَات أيضاً، فيكون مثل قوله:«حَقّ اليَقينِ واليقين هو الحق» .
فصل في دحض شبه للمعتزلة
هذه الآيةُ تقتضي نُزُولَ المَطَرِ في السماء.
قال الجُبَّائِيُّ: إن الله - تبارك وتعالى - ينزل الماء من السَّماء إلى السحاب، ومن السحاب إلى الأرض لظاهر النَّصِّ قال بعض الفَلاسِفَةِ: إن البُخَارَاتِ الكثير تجتمع في بَاطِنِ الأرض، ثم تَصْعَدُ، وترتفع إلى الهواء، فينعقد الغَيْمُ منها، ويَتَقَاطَرُ، وذلك هو المَطَرُ، فقيل: المراد أنزل من جانب السماء ماءً.
وقيل: ينزل من السحاب، وسمي السحاب سماء؛ لأن العربَ تُسَمَّى كل ما فَوْقَكَ سماء كسماءِ البيت.
ونقل الواحديُّ في «البسيط» عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - يريد بالماء هاهُنَا المَطَرَ، ولا تنزل نقطة من الماء إلا ومعها مَلَكٌ.
قوله:{فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} يَدُلُّ على أنَّ إخْراجَ النَّباتِ بواسطة الماء، وذلك يوجب القَوْلَ بالطَّبع، والمتكلمون ينكرونه.
قال الفراء: هذا الكلام يَدُلُّ على أنه أخرج به نبات كل شيء، وليس الأمر كذلك، وكأن المراد: فأخرجنا [به نبات كل شيء له نبات، وإذا كان كذلك فالذي لا نبات له لا يكون داخلاً فيه وقوله:«فأخرجنا» ] بعد قوله: «أنزل» فيه الْتِفَاتٌ، وهو من الفَصَاحةِ مذكور في قوله تبارك وتعالى:{حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم}[يونس: ٢٢] .
وقوله تبارك وتعالى:«فأخْرَجْنَا» هذه النون تمسى نون العَظَمَةِ لا نون الجمع كقوله: