وقال الليث بعكس هذا، أي بكسرها في الماضي، وبفتحها في المستقبل وأينعت فهي تينعُ وتَوْنَعُ إيناعاً ويَنَعاً بفتح الياء ويُنعاً بضم الياء، والنَّعت يَانِعٌ ومُونِعٌ.
فإن قيل هذا في أول حال حدوث الثمرة، وقوله:«وينعه» أمر بالنظر في حَالِ تمامها وكمالها، والمقصود منه أنَّ هذه الثمار في أول حدوثها على صفات مخصوصة عند مالها تنتقل إلى أحوال مُتَضَادَّةٍ للأحوال السابقة.
قيل: إنها كانت مَوْصُوفَةً بالخضرة، فتصير سَوْدَاءَ، أو حمراء، أو صفراء، أو كانت مَوْصُوفَةً بالحموضة، وربما كانت في أوَّل الأمرْرِ بَارِدَةً بحسب الطبيعة، فتصير في آخر الأمر حَارَّةً بحسب الطبيعة، فحصول هذه التّبَدُّلاتِ والتغيرات لا بُدّ له من سَبَبٍ ليس هو تأثير الطَّبائعِ والفُصُولِ والأنجم والأفلاك؛ لأن نِسْبَةَ هذه الأفعال بأسْرِهَا إلى جميع هذه الأجسام المتباينة متساوية مُتَشَابِهَةٌ، والنِّسَبُ المتشابهة لا يمكن ان تكون سبباً لِحُدُوثِ الحوادث المختلفة، ولما بَطَلَ إسْنادُ حدوث هذه الحوادث إلى الطَّبائع والأنْجُمِ والأفلاك، وجب إسْنَادُهَا إلى القادرِ الحكيم العليم المُدَبِّرِ لهذا العالم على وَفْقِ الرحمة والمصلحة والحكمة، فَنَاسَبَ ختام هذه الآية الكريمة بقوله:{إِنَّ فِي ذلكم لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} للدلالة على ما تقدم في وَحْدَانِيَّتِهِ، وإيجاد المَصْنُوعَاتِ المختلفة من أنها ناَبِتَةً من أرض واحدة، وتُسْقَى بماء واحد، وهذه الدلائل إنما تَنْفَعُ المؤمنين دون غيرهم، كقوله تبارك وتعالى:
{هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}[البقرة: ٢]
قال القاضي رَحِمَهُ اللَّهُ: المراد لمن يطلب الإيمان بالله - تبارك وتعالى -؛ لأنه لمن آمن ولمن لا يؤمن فإن قيل: لم أوقع الاختلاف بين الخَلْقِ في هذه المسْألةِ مع وجود مثل هذه الدلالة [الجلية القوية؟] .
أجيب عنه بأن قولة الدليل لا تفيد ولا تنفع إلَاّ إذا قدر الله للعبد حصول الإيمان، فكأنه قيل: هذه الدلالة على قوتها وظهورها دلالة لمن سبق قضاء الله تعالى في حقه بالإيمان.
فأما من سبق قضاء الله له بالكفر لم ينفع بهذه الدلالةِ ألبتة أصلاً فكان المقصود من هذه التخصيص التنبيه على ما ذكرنا.