أما الحُجّة السَّابعة: فهي جمع بين الطَّرفين من غير جامع.
فإن قيل: فإذا لم يكن افضل منهم، فما الحكمة بالأمر بالسجود له؟
قيل له: إنَّ الملائكة لما استعظموا تَسْبِيْحَهُمْ، وتقديسهم أمرهم بالسجود لغيره ليريه استغناءه عنهم، وعن عبادتهم.
وقال بعضهم: عيروا آدم واستصغروه ولم يعرفوا خصائص الصنع به، فأمروا بالسجود له تكريماً، ويحتمل أن يكون إنما أمرهم بالسجود له معاقبة لهم على قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: ٣٠] .
فإن قيل: فقد استدلّ ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - على فضل البشر بأن الله - تعالى - أقسم بحياة مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فقال: {لَعَمْرُكَ} [الحجر: ٧٢] وأمنه من العذاب لقوله: {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢] ، وقال للملائكة: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مِّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: ٢٩] .
قيل له: إنما لم يقسم بحياة الملائكة كما لم يقسم بِحَيَاةِ نفسه سبحانه فلم يقل: «لَعَمْري» وأقسم بالسماء والأرض، ولم يدلّ على أنها أرفع قدراً من العرش، وأقسم ب «التِّين والزَّيْتُون» .
وأما قوله سبحانه: «وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ» فهو نظير قوله لنبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} [الزمر: ٦٥] وهذا آخر الكلام في هذه المسألة.
قوله: «إلَاّ إِبْلِيسَ» «إِلَاّ» حرف استثناء، و «إبليس» نصب على الاستثناء، وهل نصبه ب «إلا» وحدها أو بالفعل وحده أو به بوساطة «إلاّ» أو بفعل محذوف أو ب «أن» أقوال؟
وهل هو استثناء متّصل أو منقطع؟ خلاف مشهور.
والأصح أنه متّصل - وأما قوله تعالى: {إِلَاّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن} [الكهف: ٥٠] ، فلا يرد؛ لأن الملائكة قد يسمونه جنًّا لاجْتِنَابِهِمْ، قال الشاعر في سليمان: [الطويل]
٣٨٤ - وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ الْمَلَائِكِ تِسْعَةً ... قِيَاماً لَدَيْهِ يَعْمَلُونَ بِلَا أَجْرِ
وقال تعالى: {وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَباً} [الصافات: ١٥٨] يعني: الملائكة.
واعلم أن المستثنى على أربعة أقسام:
قسم واجب النّصْب، وقسم واجب الجَرّ، وقسم جائز فيه النصب والجر، وقسم جائز فيه النَّصْب والبَدَل مِمَّا قبله، والأرجح البدل.