والبَصَائِرُ: جمع «بَصِيرَة» وهي الدلالة التي توجب إبصار النفوس للشيء ومنه قيل للدَّمِ الدال على القتيل «مبصرة» والبصيرة مُخْتَصَّةٌ بالقلب [كالبَصَرِ للعين، هذا قول بعضهم.
وقال الراغب:«ويقال لقوة القلب المُدْرِكة:» بَصِيرَةٌ وبَصَرٌ «] قال تبارك وتعالى: {بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}[القيامة: ١٤] وقال تعالى: {مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى}[النجم: ١٧] وتقدَّم تحقيق هذا في أوائل سوة» البقرة «.
وأراد بالبَصَائِرِ الآيات المتقدمة، وهي في نَفْسِهَا لَيْسَتْ بَصَائِرَ إلا أنها لقوتها وجلائهَا تُوجِبُ البصائِرَ لمن عرفها، ووقَفَ على حَقَائِقهَا، فلما كانت سَبَباً لحصول البَصَائِرِ سميت بالبَصَائِرِ.
قوله:» مِنْ ربِّكُمْ «يجوز أن يتعلَّق بالفعل قبله، وأن يتعَّق بمحذوف على أنه صِفَةٌ لما قبله، أي: بصائر كائنة من ربكم و» من «في الوجهين لابتداء الغاية مَجَازاً.
قوله:» فَمَنْ أبْصَرَ «يجوز أن تكون شَرطيَّةً، وأن تكون مَوصُولةً فالفاء جواب الشَّرطِ على الأوَّلِ، ومزِيدَةٌ في الخبر لشبه المْصُولِ باسم الشرط على الثُّانِي، ولا بُدَّ قبل لام الجرِّ من مَحْذُوفٍ يَصِحُّ به الكلام، والتقدير: فالإبْصَارُ لِنَفْسِهِ، ومَنْ عَمِيَ فالعَمَى عليها، فإلإبصار والعَمَى مُبْتَدآنِ، والجارُّ بعدهما هو الخَبَرُ بعدهما هو الخَبَرُ، والفاء دَاخِلَةٌ على هذه الجملة الواقعة جواباً أو خبراً، وإنما حُذِف مُبْتَدؤها للعلم به، وقدَّر الزجاج قريباً من هذا فقال:» فلنفسه نَفْعُ ذلك ومن عَمِيَ فعليها ضَرَرُ ذلك «.
وقال الزمخشري:» فَمْنْ أبصر الحق وآمن فلنفسه أبصر وإياها نفع، ومن عمي فعليها، أي: فعلى نفسه عَمِي، وإياها ضر «.
قال أبو حيَّان: وما قدَّرناه من المصدر أوْلَى، وهو فالإبصار والعمى لوجهين:
أحدهما: أن المَحْذُوفَ يكون مفرداً لا جملة، والجار يكون عُمْدَةً لا فَضْلَةً، وفي تقديره هو المحذوف جملة، والجار والمرجور فَضْلَة.
والثاني: وهو أقوى، وذلك أنه لو كان التقدير فِعْلاً لم تدخل الفاء سواء كانت شَرطيَّةً أم موصولة مشبهة بالشرط؛ لأن الفعل الماضي إذا لم يكن دُعَاءً ولا جَامِداً، ووقع جوابُ الشَّرطِ أو خبر مبتدأ مُشَبَّهٌ بالشرط لم تدخل الفاءُ في جواب الشرط، ولا في خبر