قوله:«وليقُولُوا» جوابه؛ لأن الإضافة تقع بأدْنَى مُلابَسَةٍ، وإلا فكلامُ إمَامٍ يَتَكَرَّرُ لا يُحْمَلُ على فَسَادٍ.
وأما القراءات التي في «درست» فثلاث في المتواتر: فقرا ابن عامر: «دَرَسَتْ» بِزِنَةِ: ضَرَبَتْ، وابن كثير وأبو عمرو «دَارَسْتَ» بِزِنَةِ: قَابَلْتَ أنت، والباقون «دَرَسْتَ» بِزِنَةِ ضَرَبْتَ أنت.
فأمَّا قرءاة ابن عامر: فمعناها بَلِيَتْ وقَدُمَتْ، وتكرَّرَتْ على الأسْمَاعِ، يشيرون إلى أنها من أحَادِيثِ الأوَّلينَ، كما قالوا:«أسَاطِيرُ الأوَّلِينَ» .
وأما قراءة ابن كثير، وأبي عمروا: فمعناها: دَارَسْتَ يا محمد غَيْرَكَ من أهْلِ الأخبار الماضية، والقرون الخالية حتى حَفِظْتَهَا قَفُلْتَهَا، كما حكى عنهم فقال:{إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ}[النحل: ١٠٣] .
وفي التفسير: أنهم كانوا يقولون: هو يُدَارِسُ سَلْمَانَ وعَدَّاساً.
وأما قراءة الباقين: فمعناها: حَفِظْتَ وأتْقَنْتَ بالدَّرْسِ أخبارَ الأوَّلين، كما حُكِيَ عنهم {وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}[الفرقان: ٥] أي: تكرر عليها بالدرس يحفظها.
قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: وليقولوا أهل «مكة» حين تَقْرَأُ عليهم القرآن: ودَرَستْ تعلمت من يسارٍ وجبر، وكانا عَبْدَيْنِ من سَبي الروم قرأت علينا تَزْعُمُ أنه من عند الله.
حكى الواحدي في قوله: درس الكتاب قولين:
الأول: قال الأصمعيُّ: أصله من قولهم: درس الطعام إذا دَرَسَهُ دراساً، والدَّرْسُ الدِّيَاسُ بِلُغَةِ أهل «الشام» ، قال: ودرس الكلام من هذا، أي: يدرسه فيخفُّ على لسانه.
والثاني: قال أبو الهيثم: درست الكتاب، أي: ذللته بكثرةِ القراءة خَفَّ حِفْظُهُ من قولهم: درست الثوب أدْرُسُهُ دَرْساً، فهو مَدْرُوسٌ ودَرِيسٌ، أي: أخْلَقْتُهُ، ومنه قيل للثوب الخلق: دريسٌ لأنه قد لان والدراسةُ الرياضة، ومنه درست السُّورة حتى