للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لأنَّها إذا جَاءَت لا يُؤمِنُون «. فهو لا يَأتِي بَهَا؛ لإصْرارهم على كُفْرِهم، فيَكُون نَظِير: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلَاّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون} [الإسراء: ٥٩] ، أي بالآيات المُقْتَرحة، وعلى هذا فيَكُون قوله:» وما يُشْعِرُكُم «اعتِرَاضاً بين العِلَّة والمَعْلُول.

الثاني: ان تكون» لَا «مَزِيدة، وهذا رَأي الفرَّاء وشيخه، قال: ومثله: {مَا مَنَعَكَ أَلَاّ تَسْجُدَ} [الأعراف: ١٢] أي:» أنْ تَسْجُد «فيكون التَّقْدير: وما يُشْعِرُكُم أنَّها إذا جَاءَت يُؤمِنون، والمعنى على هذا: أنَّها لو جَاءَت لم يُؤمِنُوا، وإنما حمله على زِيَادَتِها ما تقدَّم من أنَّها لو تُقدَّر زَائِدة، لكان ظَاهِرُ الكلام عُذْراً لكُفَّار، وأنَّهم يُؤمِنون كا عرفت تَحْقيقه أولاً، إلا أن الزَّجَّاج نسب ذلك إلى الغَلَط، فقال:» والَّذِي ذكر أنَّ «لا» لَغْو، غالط؛ لأن ما يَكُون لَغْواً، لا يكون غَيْر لَغْوٍ، ومن قَرَأ بالكَسْر، فالإجْمَاع: على أنَّ «لا» غير لَغْو «فليس يَجُوز أن يكُون مَعْنَى لفظة: مرةً النَّفي، ومرَّة الإيجاب في سِيَاق واحد.

وانصر الفارسيّ لقول الفرَّاء، ونفي عنه الغَلَط، فإنَّه قال: «يجوزُ أن تكون» لا «في تأويل زائِدةً، وفي تَأويل غَيْر زَائدة؛ كقول الشَّاعر في ذلك: [الطويل]

٢٢٥٨ - أبى جُودُهُ لا البُخْلَ واسْتَعْجَلَتْ نَعَمْ ... بِهِ مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُودَ نَائِلُهْ

يُنشد بالوَجْهَيْنِ، أي: بِنَصْب» البُخْل «وجرِّه، فَمَنْ نَصَبَه، كانت زائدة، أي:» أبَى جُودُه البُخْلَ «ومَنْ خَفَضَ، كانت غَيْر زَائِدة، وأضَافَ» لَا «إلى البُخْلِ» .

قال شهاب الدِّين: وعلى تَقْدير النَّصْب، لا يَلْزَم زِيَادتها؛ لجوازِ أن تكُون «لا» مَفْعُولاً بِهَا، و «البُخْل» بدل مِنْهَا، أي «أبَى جُودُه لَفْظَ» لا «ولفظ» لا «هو بُخْل» . وقَدْ أوائل لك طَرف من هذا محقَّقاً عند قوله - تعالى - {وَلَا الضآلين} [الفاتحة: ٧] [في أوائل هذا الموضوع] وسَيَمُرُّ بك مَوَاضِع مِنها؛ كقوله - تعالى -: {وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: ٩٥] .

قالوا: تَحْتَمل الزِّيَادة، وعدمها وكذا {مَا مَنَعَكَ أَلَاّ تَسْجُدَ} [الأعراف: ١٢] ، {لِّئَلَاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب} [الحديد: ٢٩] .

الثالث: أن الفَتح على تَقْدِير لام العِلَّة، والتَّقْدير: «إنما الآيات التي يَقْتَرِحُونها عِنْد اللَّه؛ لأنَّها إذا جَاءتَ لا يُؤمِنُون» ، و «ما يُشْعِرُكُم» اعتِرَاض كما تقدَّم تَحْقيق ذلك عن أبي عَلِيِّ، فأغنى عن إعَادَتِهِ، وصار المَعْنَى: «إنَّما الآيَات عند اللَّه، أي: المُقْترحة لا يأتي بِهَا؛ لانْتِفَاء إيمانهم، وإصْرارِهْم على كُفْرِهم» .

الرابع: أن في الكلام حَذْف مَعْطُوف على ما تقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>