ويحتمل أن تكُون من الإضافة الَّتِي بَمَعْنَى اللام، وليست من بابِ إضافة صِفَة لِمَوصُوف، والمعنى: الشَّياطين التي للإنْس، والشَّياطين التي لِلْجِنّ، فإن إلْليس قَسَّم جُنْده قسمين: قِسْمُ مُتسَلِّط على الإنْسِ، وآخر على الجِنِّ، كذا جاء في التَّفْسِير. ووقع «عَدُواً» مفعولاً ثَانِياً ل «شَيَاطِين» على أحَد الإعْرَابَيْنِ بِلَفْظ الإفْراد؛ لأنَّهُ يُكْتَفى به في ذلك، وتقدَّم شَوَاهِده، ومِنْه ما أنْشَده ابن الأنْبَارِي:[الطويل]
فأعاد الضَّمير مِنْ «يَضُرَّهُم» على «عَدُوّ» فدل على جَمْعِيَّته؛ وكقوله تعالى:{ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين}[الذاريات: ٢٤] ، {أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ}[النور: ٣١]{إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلَاّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات}[العصر: ٢، ٣] .
وقيل لا حَاجَة إلى هذا التَّكْليف، والتَّقْدِير وكذلك جَعَلْنَا لِكُلِّ واحد من الأنْبِيَاء عُدُوّاً واحِداً، إذ لا يَجِبُ أن يَكُون واحدٍ من الأنْبِيَاء أكْثَر من عُدوّ واحد.
فصل في دلالة الآية
دلَّ ظاهر قوله - تعالى -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً} على أنَّه - تبارك وتعالى - هو الذي جَعَل أولَئِك الأعْداء أعْدَاءً للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ولا شكَّ أن تلك العدَاوة مَعْصِيَة وكُفْر، فهذا يَقْتَضِي أن خَالِق الخَيْر، والشَّر، والطَّاعة، والمَعْصِيَة، والإيمان والكُفْر هُواللَّه تعالى.
وأجاب الجُبَّائي عَنْه؛ بأن المُرَاد من هذا الجَعْل: الحُكم والبَيَان فإن الرَّجُل إذا حَكَم بِكُفْر إنْسَان، قيل: كإنه كَفَّرَه، وإذا أخْبر عن عَدَالتِه، قيل إنه عدّله، فكذا ههنا أنَّه - تعالى - لما بيَّن للرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كونهم أعْدَاء له لا جَرَم قال: إنَّه جعلهُم أعْدَاءً له وأجاب الأصَمُّ: بأنه - تعالى - لما أرْسَل محَمّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى العَلمِيَن، وخصَّه بِتِلْكَ المُعْجِزات، حسدُوه، وصار ذلك الحَسَد سَبَاً للعَداوَة القَوِيّضة فَلِهَاذا قال إنَّه - تعالى -: جعلهم أعْدَاء له ونَظِيرُه قول المُتَنَبِّي: [الطويل]