على الفعل شرط، فإن من لا يقدر على الشيء لا يقال: إنه أباه.
وثانيها: أن من لا يَقْدِرُ على الفعل لا يقال: استكبر بأن لم يفعل، فإنما يوصف بالاستكبار إذا لم يفعل مع أنه لو أراد الفعل لأمكنه.
وثالثها: قال: «وكَانَ مَنَ الكَافِرِينَ» ولا يجوز أن يكون كافراً بأن لم يفعل ما لا يقدر عليه.
ورابعها: أن استكباره، وامتناعه خلق من الله فيه، فهو بأن يكون معذوراً أولى من أن يكون مذموماً قال: ومن اعتقد مذهباً يقيم العذر لإبليس فهو خاسر الصَّفقة.
والجواب: يقال له: صدور ذلك عن «إبليس» لا يخلو، إما أن يكون عن قَصْدٍ ودَاعٍ أو لا.
فإن وقع لا عن فاعل، فكيف يثبت الصّانع، وإن وقع العبد فوقوع ذلك القصد عنه إن كان عن قصد آخر فيلزم التسلسل.
وإن كان لا عن قَصْدٍ فقد وقع الفعل لا عن قَصْد.
[أما إن قلت وقع ذلك الفعل عنه لا عن قصد] وداعٍ، قد ترجّح الممكن من غير مرجّح، وهو يسد باب إثبات الصانع، وأيضاً فإن كان كذلك كان وقوع ذلك الفعل اتفاقياً، والاتفاقي لا يكون في وسعه واختياره، فكيف يؤمر به وينهى عنه، وإن وقع عن فاعل هو الله، فحينئذ يلزمك كل ما أوردته علينا.
فإن قيل: هذا منقوض بأفعال الله - سبحانه وتعالى - فإن التقسيم وارد فيها ليس اتفاقية ولا خبراً؟
قلنا: الله - تعالى - واجب الوجود لذاته، وإذا كان كذلك كان واجب الوجود أيضاً في صفاته، وإذا كان كذلك فهو مُسْتَغْنٍ في فاعليته عن المؤثرات والمرجّحات، إذ لو افتقر لكان محتاجاً.
فصل في بيان حال إبليس
قال قوم: كان «إبليس» منافقاً منذ كان.
وقال آخرون: كان كافراً، واستدلوا بقوله:«وضكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ» ؛ لأن كلمة «من» للتبعيض، والحكم عليه بأنه بعض الكافرين يقتضي وجود قوم آخرين من الكفار حتى يكون هو بعضاً منهم، ويؤكده ما روي عن أبي هُرَيْرَةَ قال: إن الله خلق خلقاً من الملائكة، ثم قال لهم: إني خالق بشراً من طين؛ فإذا سوّيته، ونفخت فيه من روحي فَقَعُوا له سَاجِدِينَ. فقال: لا تفعل ذلك، فبعث الله عليهم ناراً، فأحرقتهم، وكان «إبليس» من أولئك الذين أَبْوا.