للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الخامس: أنَّها مَرْفُوعة المحلِّ بالابْتِداء، و «يَضِل» : خَبَره، والجُمْلَة مُعَلِّقة لأفْعَل التَّفْضِيل؛ فهي محلِّ نَصْب بها؛ كأنه قيل: أعلم أيُّ النَّاسِ يَضِل كقوله: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى} [الكهف: ١٢] ، وهذا رأي الكسائِي، والزَّجَّاج، والمُبَرِّد، ومَكّي، وإلاا أن أبا حيَّان ردَّ هذا؛ بان التَّعْلِيق فرع ثُبُوت العمل في المَفْعُول به، وأفْعَل لا يَعْمل فيه، فلا يُعَلَّق.

والرَّاجِح من هذه الأقْوَال: نَصْبُها بمضمر، وهو قول الفَارسيِّ، وقواعد البصريين مُوافِقَةٌ لَه، ولا يَجُوز ان تكون «مَنْ» في محلِّ جرِّ بإضافة أفْعل إليْها؛ لئلاً يلزم مَحْذُور عَظِيم، وذلك أنَّ أفعل التَّفْضِيل لا تُضَاف إلَاّ إلى جنْسِها، فإذا قُلْتَ: «زَيْد أعْلَم الضَّالِّين» لَزِم أن يكون «زَيْد» بَعْض الضَّالِّين، أي: مُتَّصِفٌ بالضَّلال، فهذا الوَجْه مُسْتَحيل في الآية الكريمة، وهذا عند من قرأ «يَضِلُّ» يفتح حَرْف المُضارعة، أمَّا من قرأ بضمِّه: «يُضِلّ» - وهو الحسن، وأحمد بن أبي سُرَيْج -، فقال أبُو البقاءِ: «يجُوز أن تكون» مَنْ «في موضع جرِّ بإضافة» أفعل «» إليها «.

قال:» إمَّا على مَعْنَى: هو أعْلَم المُضِلِّين، أي: من يجد الضَّلال وهو من أضْلَلْتُه، أي: وَجَدْته ضالاً؛ مثل أحْدَتُه، أي: وَجَدته مَحْمُوداً، أو بِمَعْنى: أنه يَضِلُّ عن الهدى «.

قال شهبا الدِّين: ولا حَاجَة إلى ارْتِكَاب مِثْل الأمَاكن الحَرِجة، وكان قد عبَّر قَبْل ذلك بِعِبَارات اسْتَعْظَمتُ النُّطْق بها، فَضَربْت عَنْها إلى أمْثِلةٍ من قوْلي، والَّذِي تُحْملُ عليه هذه القراءة، ما تقدّضم من المُخْتَار؛ وهو النَّصْب بِمُضْمَر، وفاعل «يُضِلّ» على هذه القراءة: ضمير يَعُود على اللَّه - تعالى - على مَعْنَى: يَجِدُه ضالاً، أو يَخْلُق فيه الضَّلال «لا يسأل عمَّا يَفْعَل» ويجُوز أن يكُون ضمير «مَنْ» أيْ: أعْلَم مَنْ يضِلُّ النَّاس، والمَفْعُول مَحْذُوف، وأمَّا على القراءة الشَّهيرة، فالفَاعِل ضمير «مَنْ» فقط، و «مَنْ» يجُوز أن تكُن موصُولة، وهو الظَّاهر، وأن تكون نَكِرة مَوْصُوفة، ذكره أبثو البقاء.

فإن قيل هو «أعْلَم بالمُهْتَدِين» يوجب وقوع التَّفَاوت في عِلْم اللَّه، وهو مُحَال؟

فالجواب: أن حُصُول التَّفَاوُت في علم اللَّه مُحَال، إلَاّ أن المَقْصُود من هذا اللَّفْظِ:

العِنَاية بإظْهَار هداية المُهْتَدين فوق الهداية بإظهار ضلال الضَّالِّين، ونظيرُه قوله تعالى -:

<<  <  ج: ص:  >  >>