المَشْهُوران، ولم يذكر الزَّمَخْشَرِيُّ غير هذا الوجه.
الثاني: أنَّها في محل نَصْبٍ على الحالِ، والتَّقْدير: وأيُّ شَيْء لَكُم تَاركين للأكْل، ويؤيِّد ذلك وُقوع الحالِ الصَّريحة في مِثْل التَّركيب كَثِيراً، نحو:{فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ}[المدثر: ٤٩] إلَاّ أن هذا مَرْدُود بِوَجْهَيْن:
والثاني: أنَّها مع ما بعدها مُؤوَّلة بالمصدر، وهو أشْبَه بالمُضْمَرَات كما تقدَّم تحريره، والحال إنَّما تكُون نكرة.
قال أبُو البقاء: إلَاّ أن يُقَدَّر حَذْفُ مُضاف، فَيَجُوز، أي:«وما لَكُم ذَوِي ألا تَأكلوا» وفي تَكَلُّ، فمفعول «تَأكُلُوا» مَحْذوف بَقِيتْ صفَته، تقديره:«شَيْئاً مما ذُكِر اسْمُ اللَّه» ويجُوز ألَا يُراد مَفْعُول، بل المُراد: ومَال لكُم ألا يقع منكم الأكْل، وتكون «مِنْ» لابْتِدَاء الغَاية، أي: أن لا تَبْتَدِئُوا بالأكْل من المَذْكُور عليه اسم اللَّه، وزُعِم، أنَّ «لَا» مَزِيدة، وهذا فَاسِدٌ؛ إذا لا داعِي لِزيَادتها.
قوله:«وقد فصَّل لَكُم ما حرَّم» قرأ ابْنُ كَثِير، وأبُو عَمْرو، وابنُ عَامِر: ببنائهما للمفعُول: ونافع، وحفصٌ عن عاصم: ببنَائِهَما للفاعل، وحمزة، والكسَائِيُّ، وأبُو بكر عن عاصم: ببناء الأوَّل للفاعل، وبناء الثُّانِي للمَفْعُول، ولم يأتي عكس هذه، وقرأ عطيَّة العُوفيُّ كقراءة الأخَويْن، إلَاّ أنَّه خفف الصَّاد من «فَصَّل» والقَائِم مقام الفاعل: هو المَوْصُول، وعائده من قوله:«حرَّم عَلَيْكُم» . والفَاعِل في قراءة مَنْ بَنَى للفَاعِل ضمير اللَّه - تعالى -، والجُمْلَة في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ.
فصل في المراد من الآية
قوله:«فَصَّل لَكُم ما حرَّم عَلَيْكُم» قال أكثر المُفَسِّرين: هو المُراد من قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمُ الخنزير} في أوَّل المائدة [الآية: ٣] ، وفيه إشْكَالٌ، وهو أنَّ سُورة الأنْعَام مَكيَّة، وسُورة المائدة من آخر ما أنْزَل اللَّه - تعالى - بالمدينة، فقوله:«فصَّل» يَجِبُ أن يكُون ذلك المُفَصَّل متقدِّماً على هذا المُجْمَل، والمَدَنِيّ متأخِّر عن المَكِيّ، فيمتنع كونه مُتقدِّماً، ولقَائِل أن يقول: المُفَصّل: هو قوله - تبارك وتعالى - بعد هذه الاية الكريمة:{قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}[الأنعام: ١٤٥] ، الآية، وهي هو المُرَاد، خُصُوصاً أن بعد هذه الآية بقليل، إلا أنَّ هذا القَدْر من التَّاخير لا يمنع أن يكُون هو المُرَاد، خُصُوصاً أن السُّورة نزلت دَفْعَة واحِدَة بإجْماع المُفَسِّرين على ما تقدَّم، فيكون في حُكْم المُقارن.