وارتكاب المجازِ وإبْرازِ ما لم يَقَعُ في صُورةِ الواقِعِ.
وقال الحسن البَصْرِيُّ:» إلا ما شَاء اللَّه؛ أي: من كَونهم في الدُّنْيَا بغير عذابٍ «
فجعل المسْتَثْنى زمن حَيَاتهم، وهو أبْعد ممَّا تقدَّم.
وقال الفرَّاء - وإليه نحا الزَّمخْشَري -:» والمعنى: إلا ما شَاءَ اللَّه من زيادة في العذابِ «.
وقال غيره: إلا ما شاء اللَّهُ من النِّكار، وكُلُّ هذا إنَّما يتمَشَّى على الاستِثْنَاء المنقَطِع.
قال أبو حيَّان:» وهذا رَاجِعٌ إلى الاسْتِثْنَاء من المصْدر الذي يَدُلُّ عليه مَعْنَى الكلام؛ إذ المْعْنَى: يُعَذَّبون في النَّارِ خَالِدين فهيا إلا ما شَاء اللَّهُ من العذاب الزَّائد على النَّارِ، فإن يُعَذِّبهم، ويكُون إذ ذاك استِثْنَا منقطعاً، إذ العذابُ الزَّائد على عذابِ النَّارِ لم ينْدَرج تَحْتَ عذاب النَّار «.
وقال ابن عطيَّة: «ويتَّجه عندي في هذا الاستِثْنَاء أن يكون مُخَاطَبَة للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأمته، ولَيْس مما يُقالُ يوم القيامة، والمستثنى هو من كان من الكفرة يومئذ يؤمن في علم اللَّهِ؛ كأنه لما أخْبَرَهُم أنه يُقَال للكُفَّرا:» النَّارُ مَثْوَاكُم «استثنى لهم من يُمْكِن أن يُؤمِين ممَّن يَرَوْنَهُ يومئذ كافراً، وتقع» مَا «على صِفَة من يَعْقل، ويؤيِّ هذا التَّأويل أيضاً قوله:» إنَّ ربِّك حَكِيمٌ عَلِيمٌ «أي: بمن يُمْكِنُ أن يُؤمِنَ منهم» .
قال أبو حيان:«وهو تَأويلٌ حسن، وكان قد قال قبل ذلك:» والظَّاهر أن هذا الاسْتِثْنَاء هو من كلام اللَّه - تعالى - للمخَاطَبين، وعليه جَاءَت تفاسير الاستِثْنَاء «وقال ابن عطيَّة ثم ساقه إلى أخِرِه، فكيف يسْتَحْسِنُ شيئاً حُكِم عليه بأنَّه خلاف الظَّاهِر من غير قَرِينَةٍ قويَّة مُخْرِجة للَّفْظِ عن ظَاهِرِه؟
قوله:{إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ} أي: فيما يَفْعَلهُ من ثواب وعقاب وسائر وُجُوه المجازِ، أو كأنَّه، يقول: إنما حَكَمْتُ لهؤلاء الكُفَّارِ بعذاب الأبَدِ، لعلمي أنَّهُم يستَحِقُّونَ ذلك.
وقيل:» عليم «بالَّذي استَثْنَاهُ وبِمَا في قُلُوبهم من البرِّ والتَّقْوَى.