للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة: إذا أصَابَهُم القَحْط، استَعَانُوا باللَّه ووفَّرُوا ما جَعَلُوه لشُرَكَائهم.

وقال مقاتل: إن زَكَا ونما نَصِيبُ الآلِهَة، ولم يَزْكُ نصب اللَّهِ، تركوا نَصِيب الآلِهَة، وإن زكَا نَصٍبُ اللَّه ولَمْ يَزْكُ نَصيب الآلهة، أخذوا نَصِيبَ اللَّه - تعالى - وقالوا: لا بُدَّ لآلِهَتِنَا من نفقةٍ، فأخذوا نَصِيبٌ اللَّهِ فأعطوه السَّدَنَة، فذلك قوله: «فَمَا كان لِشُركَائِهم فلا يَصِلُ إلى اللَّهِ وما كان لِلَّه فهو يَصِلُ إلى شركَائِهم» ، يغني من نماء الحَرْث والأنْعَام، فلا يَصل إلى اللَّه - تعالى - يعني: إلى المَسَاكين، وإنَّما قال: إلى اللَّه؛ أنهم كَانُوا يَفْرِزُونَه للَّه - تعالى - ويسمونهُ نَصِيب اللَّه، وما كان للَّه فَهُو يَصِل إليهم.

قوله: «سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ» قد تَقَدَّم نَظِيرُه، وقد أعْرَبَها الحُوفِي هُنَا، فقال: «ما» بمعنى الَّذي، والتقدير: ساء الَّذِي يحْكُمُون حُكْمهم، فيكون «حُكْمُهُمُ» مبتدأ وما قَبْلَه الخبر، وحذف لدلالة «يَحْكُمُون» عليه ويجُوز أن تكون «ما» تَمْييِزاً، على مَذْهَبِ من يُجِيز ذلك في «بِئْسَمَا» فتكون في مَوْضع نَصْبٍ، التقدير: ساء حُكْماً حُكْمُهُم، ولا يكون «يَحْكُمُون» صِفَة ل «مَا» لأن الغرضَ الإبْهام، ولكن في الكلامِ حَذْف يدلُّ عليه «مَا» والتقدير: ساء ما يَحْكُمُون فحذف «ما» الثانية.

قال شهاب الدِّين: و «ما» هذه إن كان مَوْصُولة، فمذْهَبُ البَصْريِّين أن حَذْف الموصُول لا يجُوز وقد عُرَِف ذلك، وإن كانَتْ نكرة موْصُوفة، فَفِيه نَظَر؛ لأنه لم يُعْهَدْ حَذْفُ «مَا» نَكِرة مَوْصُوفة.

وقال ابن عطية: و «مَا» في مَوْضع رَفْع؛ كأنه قال: سَاءَ الذي يَحْكُمُون ولا يَتِّجِه عِنْدي أن تَجْري «سَاءَ» هنا مُجْرَى «نِعْم» و «بِئْسَ» ؛ لأن المفسِّر هنا مُضْمَر، ولا بُد من إظْهَارِهِ باتِّفَاق من النُّحاة وإنَّما اتَّجَه أن يَجْرِي مُجْرى «بِئْسَ» في قوله: {سَآءَ مَثَلاً القوم} [الأعراف: ١٧٧] لأن المفسِّر ظاهر في الكلام.

قال أبو حيَّان: «وهذا كلامٌ من لم تَرْسَخْ قدمُهُ في الغربيَّة، بل شذَّ فيها شَيْئاً يسيراً؛ لأنه إذا جَرَت» سَاءَ «مَجْرَى» بِئْسَ «كان حُكْمُها كحكْمِها سواءً لا يَخْتَلِفُ في شيء ألْبَتَّة من فَاعِل ظاهِر أو مُضمَر، أو تمييز ولا خلاف في جواز حَذْفِ المخْصُوصُ بالمَدْحِ أو الذَّمِّ، والتمييز بها لِدلالة الكلام عليه» .

فقوله: «لأن المفسِّر هنا مُضْمَر، ولا بُدَّ من إظْهَار باتِّفَاق» قوله سَاقِط ودعْوَاه الاتِّفاق على ذلك - مع أن الاتِّفاق على خلافه - عجبٌ عُجابٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>