قال ابن عطيَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذه قراءةٌ ضَعِيفَة في اسْتِعْمَال العرب، وذلك أنَّه أضاف الفِعْلَ إلى الفاعل، وهو الشُّرَكَاء، ثُمَّ فصل بين المُضافِ والمُضافِ إليه بالمفْعُول، ورُؤسَاء العربيَّة لا يُجيزُون الفَصْل بالظُّرُوف في مِثْل هذا إلا في شِعْرٍ؛ كقوله: [الوافر]
٢٣٢٤ - كَمَا خُطَّ - الكِتَابُ بِكَفِّ يَوْماً ... يَهْودِيِّ ... ... ... ... ... ... ... . .
البَيْت فكيف بالمَفْعُول في أفْصح كلام؟ ولكنْ وجهُها على ضَعْفِها: أنَّها وردت في بَيْتٍ شّاذِّ أنْشَدَهُ أبو الحَسَن الأخْفَش، فقال: [مجزوء الكامل]
٢٣٢٥ - فَزَجَجْتُهَا بِمَزجَّةٍ ... زَجَّ - القلُوصَ - أبي مَزَادَهْ
وفي بيت الطِّرمَّاح، وهو قوله: [الطويل]
٢٣٢٦ - يَطُفْنَ بِحُوزِيِّ المَرَاتِعِ لَمْ تَرُعْ ... بِوَادِيهِ مِنْ قَرْع - القِسِيَّ - الكَنَائِنِ
وقال الزَّمخشري - فأغْلظ وأسَاء في عبارتهِ - «وأم قِرَاءة ابن عامرٍ - فذكرها - فشيء لو كان في مكان الضرُورة وهو الشِّعْر، لكان سَمِجاً مرْدُوداً كما سَمُج ورورد:
[مجزوء الكامل]
٢٣٢٧ - ... ... ... ... ... . ... زَجَّ - القلُوصَ - أبِي مَزَادَهْ
فكيف به في الكلام المَنْثُور؟ كيف به في القُرْآن المُعْجِز بحُسْن نَظْمِه وجَزَالَتِه؟ الذي حمله على ذلك: أنْ رأى في بَعْض المَصَاحف» شُرَكَائِهِم «مكْتُوباً بالياءِ، ولو قرأ بجرِّ» الأوْلاد «و» الشُّركاء «- لأن الأولاد شُرَكَاؤهم في أموالهم - لوجَد في ذلك مَنْدُوحة عن هذا الارتكاب» .
قال شهاب الدين: «سَيَأتي بيان ما تمنَّى أبو القاسِم أن يَقْرَأه ابن عَامرٍ، وأنه قد قرأ به، فكأنَّ الزَّمَخْشَرِيّ لم يَطَّلِعْ على ذلك، فلهذا تَمَنَّاه» .
وهذه الأقوال التي ذكرتها جَمِيعاً لا يَنْبَغِي أن يُلْتَفَت إليها؛ لأنها طَعْن في المُتَواتِر، وإن كانت صَادِرةً عن أئِمَّةٍ أكَابِر، وأيضاً فقد انْتصَر لها من يُقَابِلُهُم وأوْرَد من لسانِ العربِ نَظْمهِ ونَثْرِه ما يَشْهَد لصِحَّة هذه القراءة لُغَة.
قال أبو بَكْر بن الأنْبَاريّ: «هذه قِرَاءة صَحيحَةٌ وإذا كانت العرب قد فَصَلَتْ بني المُتضَايفين بالجُمْلَة في قولهم:» هُو غُلامُ - إن شَاءَ اللَّه - أخِيكَ «يُرِيدون: هو غلام أخِيكَ، فأنْ يُفْصَل بالمفْرَد أسْهَل» انتهى.
وسمع الكَسَائِي قول بعضهم: «إن الشَّاةُ لتجترُّ فتَسْمع صَوْت واللَّه ربِّهَا» ، أي: