للخَوف من الفَقْر، والفقر كان ضَرراً إلَاّ أن القَتْل أعْظَم منه، وأيضاً فهذا القَتْل نَاجِزٌ وذلك الفقر مَوْهُوم، فالتزام أعْظَم المضارِّ على سبيل القَطْع حَذَراً من ضرر موهُوم لا شَكَّ أنه سَفَاهة.
وأما قوله:«بِغَيْر عِلْمِ» فالمقصود أن هذه السِّفاهة إنما تولَّدت من عدم العلم، ولا شك أن الجهل أعظم المُنْكَرات والقَبَائح.
وأما تَحْرِيم ما رَزَقَهُم اللَّه: فهو من أعْظَم أنْواع الحَمَاقَة؛ لأنه يتبعه أعْظَم أنْوَاع العذاب.
وأما الافْتِراء على اللَّه: فلا شَكَّ أن الجُرْأة على اللَّه، والافْتِرَاء عليه أعظم الذُّنُوب وأكبر الكبائر.
وأما الضلال: فهو عِبَارة عن الضَّلال عن الرُّشد في مصالح الدِّين ومنافع الدُّنْيَا.
وأم اقوله:«وما كَانُوا مُهْتَدِين» فالفَائِدة فيه أنَّه قد يضِلُّ الإنْسَان عن الحقِّ، إلا أنَّه يعُود إلى الاهتداء، فبين - تبارك وتعالى - أنَّهُم قد ضَلُّوا ولم يَحْصل لهم الاهْتِداء قط، وهذا نِهَاية المُبَالغة في الذِّمِّ.
فصل في نزول الآية
قال المفسِّرون: نزلت هذه الآية في رَبِيعة ومُضَر وبَعْض من العرب وغيرهم، كانوا يَدْفِنُون البَنَات أحْيَاء مخافة السَّبْي والفَقْر، وكان بنو كَنَانة لا يَفْعَلُون ذلك وحَرَّموا ما رَزَقَهُم اللَّه يعني بالبَحيرة والسَّائِبة والوَصيلة والحَامِي افترِاءً على اللَّهِ، حيث قَالُوا: إن الله أمَرهُم بهذا {قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} .